كيف أنقذت رواية دعابة لا تنتهي حياتي ؟
استلقيت على أريكتي، أفكاري تميل إلى الإنتحار. رواية ديفيد فوستر والاس "دعابة لا تنتهي" هي وحدها التي جعلتني متشبثة بالحياة، ولا تزال تفعل كذلك
في ربيع عام 2021، وفي تلك الأيام الحالكة التي كانت أشد وطأة على نفسي حيث كانت فى أعقاب محاولتى للإنتحار ثم وضعي تحت العلاج، تلقيت زيارة من صديقي الوفي في المستشفى، حاملاً تحت ذراعه نسخة آمنة من كتاب ديفيد فوستر والاس "دعابة لا تنتهي". كانت هذه الزيارة تأتي في أعقاب حادثة انزلقت فيها في حوض الاستحمام، فأصبت بارتجاج في المخ، مما دفعني إلى أول نوبة اكتئاب حادة في حياتي، وكانت تلك الأشهر من أشد ما عشته من صعاب.
كنت دائمًا طموحًا و متفوقًا طوال حياتي، ولكن لم يكن شيء أصعب من أن أخوض معركة ضد نفسي، وأنا شبه مشلول على أريكة في بروكلين. كانت حربًا لا توصف، تعزلني عن كل شيء، حيث كان مجرد وجودي في كل لحظة مؤلمًا ومخيفًا. ظننت أنني أعرف مدى قدرة عقلي على تعذيبي، على إيذائي، وعلى ما يمكن أن يكون عليه هذا الاكتئاب. لكنني كنت مخطئًا.
أدرك الآن أن من لم يختبر الاكتئاب في أشد حالاته، من المستحيل عليه أن يتخيله. بل قد يكون من المستحيل حتى لمن اختبره أن يتذكره بعد انتهائه، كما أن الشخص الذي يدرك بعدًا رابعًا مؤقتًا لن يتذكر ما كان عليه الحال بعد فقدان الإدراك، بل سيبقى في ذاكرته جوانب من الشيء الأكبر وغير المفهوم.
وربما لا أستطيع أن أتذكر حقًا: لكن يمكنني استعادة التفكير مرارًا وتكرارًا في هذه التأملات التي أسجلها الآن. لا تزال بعض المشاعر التي كانت تضايقني وتشوشني على تلك الأريكة متاحة بشكل خافت، مثل العجز الكامل عن اتخاذ أي قرارات حتى لو كانت صغيرة. كنت أشعر بشلل نفسي وكراهية ذاتية ودموع متدفقة بلا توقف لمجرد التفكير في اختيار نوع من الشاي الذي قدمه مضيفي بحفاوة. أتذكر محاولة يائسة لجعل نفسي تشعر ببصيص من أي شيء جيد، واللجوء إلى كل ما جلب لي الفرح من قبل - الموسيقى، الأصدقاء - لأكتشف أنني لم أعد أشعر بأي منها، بل كنت أشاهدها من بعيد، متمنيًا أن أشعر بها بينما الظلام المتزايد في داخلي يستهلك كل شيء بدلاً من ذلك.
أذكر ذلك الشعور الطاغي بالذنب والخجل الذي تملكني، ليس فقط بسبب ما اقترفته من أفعال في حياتي، بل وحتى لجرأتي على العيش لفترة أطول. وأذكر أيضًا ذلك التعاطف العميق الذي غمرني، وأنا أتساءل كم من الناس قد شعروا بنفس هذا الشعور عبر تاريخ البشرية. متخيلًا شساعة هذه العزلات النفسية التي نعانيها عبر الزمان والمكان. وفي ذات الوقت، كان من الصعب عليّ أن أتصور أن أي شخص آخر قد شعر بمثل هذا الألم، أو أن يكون هناك من الظلام في الكون ما يكفي لتكرار هذه التجربة أكثر من مرة.
منذ الأيام التي تلت إصابتي وحتى الأشهر العديدة التي تبعتها، كان التحدي الأكبر لي وأنا على تلك الأريكة هو إيجاد وسيلة لتحمل مرور الوقت. كنت بحاجة إلى شيء يساعدني على تجاوز كل لحظة والوصول إلى اللحظة التالية وأنا ما زلت سليمًا. لم أكن قادرًا على فعل أي شيء فعليًا، لكن التحديق في الفضاء أو مشاهدة التلفاز كان يجعلني عرضة للخطر، إذ كانت السلبية الذهنية تترك مجالًا كبيرًا للظلام لينفذ إلى داخلي ويبتلعني. بعد بضعة أسابيع من اليأس، اكتشفت أن قراءة الروايات، التي تملأ رأسي بعالم آخر وتترك مجالًا قليلًا لأي شيء آخر، كانت الشيء الوحيد الذي جعل وجودي أكثر احتمالًا. ثم اقترح علي صديقي المقرب، بعد أن أوصى لي بلطف وسخاء بقراءة الكتاب لسنوات، أن ربما هذه هي اللحظة المناسبة لقراءة "دعابة لا تنتهي". أفكر كل يوم في مدى امتناني له على ذلك.
بدأت في القراءة وسرعان ما أصبح الأمر أنني طالما كانت "دعابة لا تنتهي" في يدي، كان من الممكن -بل من الجيد حتى- أن أستمر في الوجود. يمكن نقل المواضيع الأساسية للكتاب التي كانت تريحني وتدعمني على مدى الأسابيع القادمة من خلال موضعين رئيسيين ومتناقضين: بيت في منتصف الطريق للمدمنين في مرحلة التعافي من جهة، وأكاديمية تنس نخبوية وضاغطة لتحقيق النصر من جهة أخرى، بالتزامن مع موضوع أساسي موحد: أن كلنا، سواء كنا نلاحق المخدرات أو الإنجازات أو أي شيء آخر نأمل أن يشبعنا ذلك الشئ ويجعل وجودنا محتملاً، و كلنا نعاني فى سبيل ذلك. كلنا -لم أجد كلمة أفضل- معتلون نفسيًا بنفس الطرق.
مع وجود "دعابة لا تنتهي" في يدي، كنت أشعر وكأنني معلق في حالة من التطهير المتناقض، تلك البصيرة العابرة التي كنت أتمسك بها طالما واصلت القراءة وإعادة القراءة لصفحات الكتاب الكثيرة. هذه البصيرة تقول إنني لست مجنونًا ولا وحيدًا، بالضبط لأنني كنت مجنونًا، مما يعني أن كل هذا لم يكن أنا بل "هو ذلك الوجه الآخر"، كان حالة إنسانية. الكتاب أكد لي أن هذا هو ما يشعر به الإنسان عندما يكون مجنونًا بهذه الطريقة، وكان بالضبط ما شعر به الآخرون المجانين بنفس الطريقة، جنون جعلهم يشعرون بالوحدة كما شعرت أنا الآن. الكتاب شهدني، وأكد لي أن تجربتي كانت مألوفة للعالم. لا أستطيع التعبير عن ذلك بشكل أفضل سوى بالقول إن الكتاب كان صديقي.
هنا بعض المقاطع التي تكتسب بلاغتها من ذاتها، فهي تعبر بوضوح وتعينني على تذكر جوانب تلك المعاناة التي كنت أواجهها على تلك الأريكة. ففي حديثه عن "الاكتئاب الذهاني" الذي تعاني منه الشخصية كيت جومبرت، يقدم الكتاب تجسيدًا مرعبًا ومقنعًا للاكتئاب:
إنه مستوى من الألم النفسي يتنافى مع الحياة البشرية كما نعرفها. إنه شعور بالشر العميق والشامل، ليس كصفة بل كجوهر للوجود الواعي. إنه إحساس بالتسمم الذي يتغلغل في النفس في أعمق مستوياتها. إنه غثيان يصيب الخلايا والروح. إنه، في الغالب، لا يوصف إلا كنوع من المفارقة المزدوجة حيث تكون جميع البدائل التي نربطها بالإرادة البشرية – الجلوس أو الوقوف، الفعل أو الراحة، الكلام أو الصمت، الحياة أو الموت – ليست مجرد غير مريحة، بل مرعبة.
لم أجد وصفًا أفضل من هذا ينقل بوضوح ودقة طبيعة تلك الآلام التي كنت أعيشها لحظة بلحظة.
أما أشهر مقاطع "دعابة لا تنتهي" فتتناول التفكير في الانتحار، والمنطق القاسي الذي يجلبه. يشبه الكتاب هذا الاختيار بالاختيار الذي يواجهه المحاصرون داخل مبنى محترق وهم يقررون ما إذا كانوا سيقفزون أم لا:
لا تسيئوا فهم الأشخاص الذين يقفزون من نوافذ محترقة. خوفهم من السقوط من ارتفاع عالٍ لا يزال كبيرًا كما هو بالنسبة لك أو لي عندما نقف عند نفس النافذة ونتأمل المنظر؛ يبقى الخوف من السقوط ثابتًا... ليس الرغبة في السقوط؛ بل هو الرعب من النيران. ومع ذلك، لا أحد في الأسفل على الرصيف، ينظر إلى الأعلى ويصرخ 'لا تقفز!' و'تمسك!'، يمكنه فهم القفزة. ليس حقًا. عليك أن تكون قد شعرت شخصيًا بأنك محاصر وشعرت بالنيران لتفهم حقًا رعبًا يتجاوز السقوط.
بعبارة أخرى، الشخص الذي يفكر في الانتحار ليس مضللاً، بل هو يواجه خيارات مختلفة تمامًا - خيارات لا يمكن لأولئك الذين لم تحاصرهم النيران ببطء أن يتصوروها.
لا أظن أنني أستطيع حقًا أن أصف لكم ما كان يعنيه لي قراءة كل هذا. كان الكتاب بمثابة مرآة تعكسني في تلك اللحظة وتصف كل شيء بدقة مذهلة. وبوضوح أكبر، لا أستطيع أن أصف ما كان يعنيه لي أن أجد تأكيدات قوية لشعوري الخاص بهذا "المرض العقلي"، ليس كرد فعل خاطئ أو غير عقلاني مني، ولا كسوء فهم أو خطأ في التقدير، بل كشيء يحدث لي؛ كان شيئًا بداخلي، شيئًا يأخذ شكلًا متضخمًا، كما يسميه الكتاب، والذي كان كل خوفي ويأسي هو الاستجابة المعقولة والمناسبة له. لكن يمكنني أن أقول لكم أنه، بمجرد أن انتهيت من قراءة "دعابة لا تنتهي"، بدأت قبضتي على هذا الفهم الذاتي - وبالتالي حفاظي على نفسي - تتلاشى بسرعة، ولم يمض سوى بضعة أيام حتى حاولت قتل نفسي. حينها، عدت لأكون وحيدًا على تلك الأريكة، محاطًا بتلك النيران التي تمكن الكتاب من إبعادها مؤقتًا. أعتقد أن قراءة "دعابة لا تنتهي" كانت تبقيني على قيد الحياة.
ولهذا السبب، فعندما جاء صديقي إلى المستشفىكان يعرف أن عليه يحضر معه نسخة أخرى من الكتاب. أتذكر أنني نظرت إليه آنذاك، بعينين مغشيتين بالخجل والقلق مما شعرت أنه أكبر فشل لي، عمل أناني وضعيف من جانبي - وأيضًا، لم يكن هناك إزعاج أكبر من ذلك لأولئك الذين جرأت على إدخالهم في حياتي. ابتسم بلطف بينما كان يلوح بـ"دعابة لا تنتهي" كتذكير صامت بأن هذه المشاعر، رغم قوتها في العرض وبالتالي معقولية الانقياد لها، لم تكن تعكس حقيقة الأمر. ومع نسخة للمشاركة، في تلك المنطقة المخصصة للزيارة، أقمنا نادي قراءة مؤقتًا خاصًا بنا.
كان الأمر يبدو كأنه دراسة الإنجيل أو ما شابه، في تلك الفوضى المعقمة والمضيئة بالفلوريسنت في ذلك المكان الغريب، وأتذكر صديقي وهو يطلق نكتة داكنة تناسب الموقف حول كيف أن هذا ربما كان الطريقة التي أراد بها ديفيد فوستر والاس أن يُقرأ بها كتابه: مثل كلمة الله، بين القيعان الصخرية، ممسوكة بلا إرادة. كانت لمحة من فكاهة والاس الخام، التي تملأ جزءًا كبيرًا من "دعابة لا تنتهي" – فكاهة بشعة، تمكنت من كسر حدة فترات جلوسي الطويلة غير المحتملة على تلك الأريكة بضحكات خارقة، والتي لم تبقيني على قيد الحياة فحسب، بل جعلتني أحيانًا أشعر بالحياة، أرغب في أن أكون، وأتمنى أنني سأتمكن من تجاوز كل هذا،، لأن الضحك كان لا يزال شيئًا ذا قيمة. في نادي الكتاب المؤقت، تذكرت أن ربما كانت الحياة لا تزال تستحق العناء. في الحقيقة، كانت واقع ما حدث قد بدأ فقط ينهار علي، وكان الطريق أمامي طويلًا جدًا. ولكننا تمكنا على الأقل من جعل الأمر أكثر لطفًا وأكثر وضوحًا في تلك اللحظة.
مع حلول سبتمبر، مرت خمسة عشر عامًا على انتحار والاس وسنتان ونصف منذ محاولتي الخاصة. وقتها و كما هو حال والاس، جاء قراري بإنهاء حياتي مباشرة بعد تعديل جرعة مضادات الاكتئاب التي أتناولها. أتذكر ذلك اليوم بوضوح شديد: كنت أتشبث بالحياة ما دمت مستغرقًا في القراءة، ولكن عندما انتهيت القراءة وحل الظلام الكئيب محلها، لم يتبق لدي سوى القليل من القوة لأرفع نفسي وألتقط الهاتف، لأعبر عن كلماتي وأطلب من المختصين أن يجدوا لي سبيلًا للخلاص. كنت لا أزال أبحث في يأس عن مخرج بينما الجدران تضيق حولي، محاولًا البقاء على قيد الحياة بأي وسيلة.
للأسف، كانت الزيادة في الجرعة الموصوفة نفسها هي التي أصابتني بموجة جديدة من الظلام، لتدفعني مرة أخرى إلى أعماق اليأس، بينما كنت أجهد بشدة للوصول إلى سطح مستقر. أعلم أن انتحار والاس كان في خضم تغييرات كيميائية مضطربة حدثت له، مما يعني أننا كنا لا نزال نحارب، وهذه النتائج المتباينة كانت نتيجة للصدفة العشوائية. هناك مأساة وإنسانية في أن تكون المحاولة اليائسة للبقاء على قيد الحياة هي الشيء نفسه الذي يقضي عليك – وأعترف بأنني أشعر أحيانًا بالذنب لأنني كنت الشخص الذي وجد الخلاص في كتابه بدلاً منه هو نفسه، كما لو أن هذا الخلاص كان مقدرًا له أن يكون نادرًا.
عندما يُسأل المرء عن ما وجده بالضبط في رواية "دعابة لا تنتهي"، فإنه يكتفي بذكر شيئين. وجد صوراً قوية للأمراض العقلية، ووجد أيضاً تعاطفاً. كما قلت، كان الكتاب صديقاً لي. لكن المسألة تكمن في أنني أعلم أن الكثيرين لديهم أمور مختلفة تماماً ليقولوها عن "دعابة لا تنتهي" - عن الكتاب، مؤلفه، قراؤه 'النموذجيون'، فكرة الكتاب ذاتها، والأخلاقيات التي يمثلها. تدافع إيمي هنغرفورد في فصلها 'عن عدم قراءة ديفيد فوستر والاس' (2016)، عن اختيارها لعدم قراءته بأن تجادل (من بين أمور أخرى) بأنه لا يوجد سبب للاعتقاد بأن ديفيد فوستر والاس يمكن أن يكون لديه أي شيء ذو قيمة ليقوله عن النساء. في وقت أكثر حداثة، قالت باتريشيا لوكوود عن "دعابة لا تنتهي" في مجلة London Review of Books في يوليو الماضي: "إنه مثل مشاهدة شخص يمر بأحدث مراحل البلوغ الممكنة فى وقت متأخر من عمره. يبدو حقًا أنه لم يمارس الجنس."
هنغرفورد، لوكوود والأخلاقيات السائدة عموماً ترفض الجمهور المستهدف والموجود للكتاب بوصفهم جمهور أبيض، ذكور وغير جديرين بالثقة، مدفوعين بمتلازمة ستوكهولم، تكاليف غارقة أو أوهام العظمة الذاتية في اعتبار الكتاب عبقريًا أو مهمًا. لا أبالغ عندما أقول إنني أجد هذه الانتقادات - التي غالباً ما تكون لاذعة أو ساخرة في إيقاعها - محيرة، مضللة، مقللة من قوة الكتاب، وأحياناً حتى مؤلمة. لا أستطيع فهم ما يمكن أن يكون له علاقة بهذا الكتاب الذي أعرفه كصديق، والذي وجدت نفسي فيه في لحظة من أكثر لحظات شعوري بالاغتراب. والمفارقة المريرة هي أن هذه الأخلاقيات تتعلق جميعها برجل -بعد كتابة كتاب متعاطف بهذا القدر عن الأمراض العقلية- قد أنهى حياته بنفسه؛ لأن هذا يمثل حالة جماعية لنفس نوع الفشل في التعاطف الذي أعتقد أن "دعابة لا تنتهي" يطلب منا مقاومته وساعدني على مقاومته بنفسي. أعتقد أن أقل ما يمكنني فعله الآن - ولإحساسي بالذنب كناجٍ - هو الانضمام إلى هذه الجوقة المستمرة حول الكتاب بصوتي العالي، المتباين.
كان "دعابة لا تنتهي" منقذاً لحياتي، لكنني لا أعني فقط أنه كان ينقذني بينما كنت أقرأه على الأريكة، أو حتى في الأوقات التي قرأت فيها الكتاب منذ ذلك الحين. "دعابة لا تنتهي" ينقذ حياتي طوال الوقت. هناك رمز متكرر في الكتاب، رمز مروع لكل شياطيننا العقلية العديدة: ذاك الوجه في الأرضية. يظهر لأول مرة في قصة قصيرة بصيغة المخاطب كوجود شرير لا يمكن إلا لك -أنت القارئ- أن تشعر به. تستيقظ من كابوس، تنظر حولك، وتلاحظ فجأة أن هناك وجهًا في الأرضية تحتك. إنه وجه تعرف أنه شرير، وتعلم أن هذا الشر مخصص لك وحدك. ولكن بمجرد أن تلاحظ هذا الوجه في الأرضية، تقتنع أيضًا بأنه كان هناك بالفعل طوال الوقت. أنت متأكد من هذا، أن 'ابتسامته المليئة بالأسنان كانت تحدق مباشرة في ضوءك طوال الوقت'، وأنه كان 'غير محسوس من الجميع وغير مرئي لك' حتى الآن. في مقطع لاحق، يعود هذا الوجه الشرير في الأرضية - 'الوجه الأبيض المتجذر من أسوأ كوابيسك' - ولكنه هذه المرة، هو إدمانك. إنه 'يُزيل أخيرًا قناع الوجه المبتسم ليكشف عن عيون لا مركز لها'، وترى أن الوجه في الأرضية - إدمانك - قد استولى عليك تمامًا الآن. أصبح الوجه في الأرضية هو وجهك. إنه 'وجهك في المرآة، الآن، إنه أنت' لأنه 'ابتلعك أو استبدلك وأصبح أنت'.
أفكر في الوجه في الأرضية كل يوم. أذكر نفسي به. واحدة من أكثر الأشياء المفزعة بشأن المرض العقلي ليس أي شيء يتم التقاطه من خلال وصف أعراضه الأولية، بل الطريقة التي يمكن أن تقنعك بأن هذه الأعراض تلتقط ببساطة شيئًا كان وما يزال موجودًا دائمًا، الذي كان هناك فعليًا طوال الوقت؛ وعندما لم تشعر بهذه الطريقة من قبل فذلك لأنك كنت أعمى. يمكن للمرض العقلي أن يقنعك بأنك ترى الآن الحقيقة التي كانت دائمًا حقيقية، ذلك الوجه الذي كان دائمًا موجودًا في الأرضية - وهو ما يعني ببساطة أن موقفك المعرفي قد تحسن . طالما أن هذا ما يتم جعلك تصدقه، فكيف يمكن لأي شخص أن يتوقع منك أن تصدق أيضًا أن"هذا أيضًا سينتهي و يمر" (أو أي شيء من هذا القبيل)، أو أن توقفه من ابتلاعك؟
لستُ الآن على تلك الأريكة أو محاطًا بتلك النيران. ولكن، على الأرجح، سأظل أتحرك دائما مع تلك الوجوه فى الارضية المتضخمة الخاصة بي وأديرها بنجاح. إن مزيجي هو كوكتيل مولوتوف متفجر من الاكتئاب و"اضطراب تنظيم المشاعر". هذا يعني أساسًا أن واقعي الداخلي عرضة لأن ينقلب بسرعة وبشدة مرة تلو الأخرى – متقلبًا عبر النشوة، واليأس، والهوس، والعار، والغضب، والبارانويا، والشعور بالذنب، والهلع، والسعادة، والتعظيم الذاتي، وكره الذات، كل هذه المشاعر حتى في يوم واحد. سيكون التحدي في وسط هذه الحلقات المفككة هو دائماً أن أجد شيئاً من خارج اللحظة لأؤمن به، أو على الأقل أن أمتلك الإيمان بأن شيئاً كهذا يمكن أن يوجد، وبالتالي مقاومة الإلحاح المتكرر الغامر بأن هذه اللحظة فقط ولا شيء قبلها هو الحقيقي.
ربما هذا هو السبب في أنني كنت بحاجة لقول كل هذا، لأعطي تجربتي هذه الحقيقة وأكتب كل شيء، وأغطي على الأقل وجهًا واحدًا من وجوه الأرضية وأحافظ على هذا هنا لنفسي؛ وربما هذه الإفشاءات هي أيضًا خلاصي لتلك الجرأة بأن أكون الشخص الذي تم إنقاذه. ولكن عندما أقول أن "دعابة لا تنتهي" ينقذ حياتي طوال الوقت، ما أعنيه هو أنني ما زلت أحاول بكل جهدي أن أقول لنفسي – لأنني ما زلت بحاجة وسأظل بحاجة أذكر لنفسي – وهو ما أصبح كلًا من شعاري وصلاتي: إنه الوجه في الأرضية. إنه الوجه في الأرضية. إنه الوجه في الأرضية.
يمكن العثور على خطوط المساعدة الشخصية فى مصر من هنا
مترجم من Aeon