يا أطفال، لقد حاولتم و بذلتم أقصى ما بوسعكم و النتيجة هى فشل ذريع… الدرس الذى نتعلمه هنا: لا تحاول أبداً
هومر سيمبسون (شخصية كرتونية)
أنا أشبه بأغلب الناس: أقضي وقتاً طويلاً معتقداً أنني فاشل. وأرى آخرين ينشرون على شبكة الإنترنت تحديثات عن انتصاراتهم ونجاحاتهم الشخصية، وأشعر وكأنني لا أرقى إلى المستوى. أنا لست ناجحاً مثلهم لم أنجز الكثير لقد فشلت في العمل وفشلت في الحياة، كيف يمكنني أن أتحسن؟
أعلم أنني لست وحدي في هذا الإحساس. أستطيع أن أقول ، معظم الناس يصارعون مع تصورات الفشل من وقت لآخر. هناك، الآن، صناعة كاملة من الكتب والإيفنتات والبودكاست مخصصة لمساعدة الناس على التغلب على الفشل. ويبدو أن الاستراتيجية المشتركة بين معظم هؤلاء تتلخص في تشجيع نوع من إعادة التفكير فى الأمر. لا تنظر إلى الفشل كعلامة على عدم كفايتك، بل كفرصة للنمو. على سبيل المثال، كتاب إليزابيث داي كيف تفشل و له أيضاً بودكاست يأخذ هذا النهج. وكما تصف الكتاب بنفسها، فإن الغرض من ذلك هو مقابلة الناس حول إخفاقاتهم ومعرفة ما علمتهم هذه الإخفاقات حول كيفية النجاح بشكل أفضل. وعلى نفس المنوال، شارك مؤسسو شركات سليكون فالى الناشئة لسنوات عديدة في مؤتمر FailCon، وهو مؤتمر سنوي يحتفل بالإخفاقات في مجال الأعمال وما يمكن تعلمه منها. ويبدو أن الرسالة كانت كالتالي: تفشل بسرعة، فتتعلم ثم تتحول إلى شيء أفضل.
وهناك جهود أخرى على قدم وساق في محاولة للتطبيع مع الفشل. على سبيل المثال، في الأوساط الأكاديمية، كان هناك نوع من الهوس بسيرة الفشل الذاتية قبل بضعة أعوام. بدأ الجنون من قبل ميلاني ستيفان مع مقال في مجلة الطبيعة. شجعت ستيفان الأكاديميين على تسجيل إخفاقاتهم من أجل مساعدة الآخرين في انتكاساتهم. وبدأ ذلك الجنون عندما نشر يوهانس هاوشوفر على الملأ سيرته الذاتية عن إخفاقاته، وسرد كل الوظائف التي فشل في الحصول عليها ، والمنح التي فشل في الفوز بها ، والأوراق التي فشل في نشرها. لسببٍ ما إنتشرت سيرته الذاتية و نمت الفكرة. المزيد والمزيد من الناس بدأوا في تجميع قوائم إخفاقاتهم.
على الرغم من صراعاتي الشخصية مع الفشل، إلا أنني أرى أن أغلب تصورات الفشل غير منطقية، وهذا يتضمن ما يخصني. لدينا معتقدات غامضة ورديئة التكوين حول ما يشكل النجاح وما يشكل الفشل. ويساهم هذا الغموض في الإفراط في نسّب الفشل (والنجاح) إلى حياتنا، وبالتالي إلى الكثير من المعاناة النفسية غير الضرورية. أعتقد أن بعض التحليل والتأمل الفلسفي قد يساعد على تخليصنا من بعض هذه المعتقدات الغير منطقية. ومع ذلك، أعتقد أنه من الصعب، في العالم الحديث، أن نتخلص تماما من الشعور بالفشل.
أحاول أن أشرح لماذا فيما يلي. أتابع في أربع مراحل. أولاً، سوف ابدأ ببعض التحليلات المفاهيمية، لأشرح ما هو الفشل وكيف يختلف عن المفاهيم المماثلة مثل الندم والرفض. ثانياً، سأنظر في الطرق المختلفة التي يمكن أن يفشل بها الناس، مع إيلاء اهتمام خاص لمختلف "مستويات التجريد" التي يمكننا أن نفهم بها أنفسنا وإخفاقاتنا. وثالثاً، سأزعم أن العديد من تصورات الفشل غير عقلانية بقدر ما تفترض أن لدينا سيطرة على حياتنا أكثر مما لدينا في الواقع. ورابعاً، سأنظر في بعض الاستراتيجيات لمواجهة حتمية الفشل.
1. ما هو الفشل؟
سأبدأ بالممارسة الفلسفية المعتادة لتوضيح المفهوم قيد النظر. ما هو الفشل بالضبط؟ وكخطوة أولى، أقول إن الفشل يمكن تعريفه، بشكل تقريبي، على النحو التالي:
الفشل = ظاهرة تنشأ كلما بذلنا بعض الجهد، أو كان علينا أن نبذل بعض الجهد، لتحقيق هدف أو بلوغ معيار معين، ولكننا لم نفعل ذلك. ويرتبط هذا عادة، وإن لم يكن بالضرورة، بالمشاعر السلبية الموجهة نحو الذات. هذه المشاعر يمكن أن تشمل أشياء مثل الخزي والذنب واللوم وهلم جرا.
ويتضمن هذا التعريف ثلاث أفكار هامة. أولاً، يتم تعريف الفشل بالنسبة إلى هدف أو معيار معين، أي أنه بالنسبة للفشل في الوجود يجب أن تكون هناك نتيجة ما كنا نحاول تحقيقها أو معيار من معايير الامتياز كنا نحاول الحصول عليها ، ولكننا فشلنا في ذلك. وثانياً، يرتبط هذا الفشل بمفاهيم السيطرة والمسؤولية: فنحن نعتقد أنه كان في مقدورنا تحقيق ذلك الهدف أو المعيار. ثالثاً، غالبا ما يرتبط هذا الفشل، وإن لم يكن بالضرورة، بمشاعر شخصية سلبية. فنحن نميل إلى الشعور بالسوء تجاه أنفسنا نتيجة لفشلنا. وأقول إن هذه المشاعر السلبية "ليست ضرورية" لأن استراتيجية التعامل المشتركة اليوم ، كما لوحظ في المقدمة ، تتلخص في النظر إلى الفشل في ضوء إيجابي: باعتباره أمراً نستطيع أن نتعلم منه.
يمكن تمييز الفشل، المحدد على هذا النحو، عن المفاهيم المشابهة الأخرى. الفشل، على سبيل المثال، ليس مثل الندم. فنحن نندم لأشياء قمنا بها بناء على بعض المقارنات غير الواقعية مع أشياء كان يمكن أن نقوم بها أو كان ينبغي أن نقوم بها. في كثير من الأحيان، يرتبط الندم بالفشل. فإذا اخترنا هدفاً وفشلنا في تحقيقه، فمن المرجح جداً أن نندم على العديد من الخيارات التي اتخذناها على طول الطريق. وإذا لم ابلغ هدفي ان أركض في ماراثون قبل بلوغي الـ ٤٠ من عمري، فقد اندم كل المرات التي اخترت فيها الجلوس على الاريكة لمشاهدة التلفزيون بدلاً من التدريب. ولكن الندم لا يرتبط بالضرورة بالفشل. أحياناً نندم على نجاحاتنا، فعلى سبيل المثال، أندم احيانا لأنني قضيت وقتا طويلا في كتابة مقالات أكاديمية. كانت كتابة ونشر هذه المقالات أهدافًا قمت بتحديدها لنفسي ونجحت في تحقيقها (العديد منها)، ولكن كان ذلك في مقابل ثمن: كان من الممكن أن أمضي ذلك الوقت في عمل شيء آخر. أنا نادم على الحياة التي كان يمكننى أن أعيشها.
يمكن أيضا تمييز الفشل عن الرفض. الرفض يعتمد على أشخاص آخرين. إذا قدمت مقالة للنشر، وتم رفضها، ذلك لأن الناس الآخرين لم تعجبهم، ولم تعجبهم تلك معناها أنهم لم يشعروا بأنها ترقى إلى معاييرهم وهكذا. يمكن أن يكون قبول الآخرين جزءًا من أهداف وطموحات الشخص الشخصية. وبهذا المعنى، يمكن أن ينشأ الفشل، جزئياً، بسبب رفض الآخرين له. وإذا أخذنا السيرة الذاتية للفشل التي قدمها يوهانس هاوهوفر على سبيل التوضيح، فبوسعنا أن نرى أن أغلب الأمثلة على الفشل هي في الواقع رفض من جانب أشخاص آخرين. كل تلك الوظائف التي فشل في الحصول عليها، المنح التي فشل في الفوز بها والمقالات التي فشل في نشرها كانت، على الأقل في جزء منها، نتيجة للرفض. لكن الفشل لا يجب أن يكون مرتبطاً بالرفض. فيمكنك ان تضع لنفسك أهدافاً ومقاييس لا تعتمد على رضى الآخرين و مدى قبولهم لك. والواقع أن أحد المفاتيح للتغلب على الجانب المظلم من الفشل قد يتمثل في تحديد أهداف لا تعتمد كثيراً على الآخرين.
وأخيراً، يمكن التمييز بين الفشل والخسارة. وهذا هو التمييز الذي صنعته بيفرلي كلاك في كتابها كيف تكون فاشلاً و تظل تعيش جيداً. الخسارة جزء حتمي من حياة الإنسان، كلنا نشيخ، كلنا نموت، كلنا نختفي، كل شيء نهتم به سيضيع في النهاية. الخسارة خارجة عن سيطرتنا ؛ الفشل ليس كذلك وكما تقول كلاك:
إن مفهوم الفشل يعكس شعوراً بالمسؤولية عن نتيجة كان من الممكن تجنبها. ومن ناحية أخرى، لا يمكن تجنب الخسارة، بغض النظر عن مدى حرصنا عليها، لأن تجربتها تعكس طبيعة الحياة ذاتها.
وكما سنرى بعد قليل، فإن واحدة من الحجج الرئيسية لكلاك هي أن العديد من الأشياء التي ننظر إليها حاليًا على أنها إخفاقات يمكن أن ينظر إليها بشكل أفضل على أنها شكل من أشكال الخسارة، وعندما ننظر إليها بهذه الطريقة قد نفقد بعض المشاعر السلبية المرتبطة بالفشل. لا يمكنك أن تلوم نفسك على حتمية الخسارة.
2. الوجوه المختلفة للفشل
هناك العديد من الطرق المختلفة للفشل. وهذا أحد الأسباب التي تجعل تصورات الفشل شائعة للغاية. وفي التعريف الذي قدمته للتو، أشرت إلى أن الفشل يرتبط بالأهداف والمعايير على حد سواء. وهذا يؤدي إلى شكلين رئيسيين من الفشل:
الفشل المتعلق بالهدف: وهو فشل منفصل في تحقيق نتيجة معينة، على سبيل المثال الفشل في سباق الماراثون، الفشل في نشر كتاب، الفشل في الظهور في مباراة كرة القدم لطفلك.
الفشل المتعلق بالمعايير: ذلك الفشل الأكثر عمومية والذي قد يكون مستمراً في تحقيق مستوى ما من الأداء، على سبيل المثال الفشل في أن تكون صادقا مع شريك حياتك، الفشل في أن تكون مجتهد في الرد على رسائل البريد الإلكتروني، الفشل في بذل قصارى جهدك في العمل.
هذه مجرد بداية لتعقيد الفشل. تقريباً كل شيء نقوم به يمكن أن يقال أن له مزيجاً من الأهداف والمعايير المرتبطة به. فكروا في الركض في ماراثون. فالهدف قد يكون إنهاء السباق في أقل من أربع ساعات والمعيار قد يكون الحفاظ على التركيز والإرادة طوال السباق ومن الممكن أن تفشل في أحد هذين الأمرين أو كليهما. ومن المسلم به أن التمييز بين الأهداف والمعايير غامض بعض الشيء. أود أن أفكر في المعايير كأشياء تنطبق على أداء بعض الأنشطة والأهداف على أنها ما يفترض أن يحدث في نهاية النشاط. ولكن بعض المعايير يمكن تقسيمها إلى أهداف فرعية منفصلة. على سبيل المثال، إذا أردت أن أكون مجتهداً في ردودي على رسائل البريد الإلكتروني، فيمكنني أن أضع لنفسي سلسلة من الأهداف الفرعية التي قد تساعدني في الحصول على هذا المعيار، على سبيل المثال الرد على خمس رسائل بريد إلكتروني قبل الساعة العاشرة كل يوم. ومع ذلك، وعلى الرغم من ذلك الغموض، أعتقد أن التمييز مفيد.
وبما أن كل ما نفعله يأتي بمزيج من الأهداف والمعايير، فإن هذا يعني أن احتمال الفشل متوطن في الحياة البشرية. ومع ذلك، أعتقد أنه من المنطقي تحليل الفشل باعتباره شيئاً يمكن أن ينشأ على مستويات مختلفة من التجريد. هناك مستويان من هذا القبيل يثيران انتباهي باعتبارهما مهمين بشكل خاص:
الفشل المتعلق بالمهام: هذا هو الفشل الذي يرتبط بمهام محددة نقوم بها. من الممكن أن تكون هذه المهام منفصلة عن بعضها البعض (على سبيل المثال خوض ماراثون قبل سن 40) أو عادات يومية متكررة (على سبيل المثال الاستجابة للبريد الإلكتروني). والنقطة هي أنها أنشطة محددة بشكل معقول وذات حدود زمنية. تبدأ وتنتهي في أوقات يمكن التعرف عليها.
الفشل المرتبط بالأدوار: هذا هو الفشل المرتبط بالأدوار المختلفة التي نشّغلها في الحياة. وتتألف الأدوار عادة من مجموعات من المهام والمعايير. وتستمر بعض الأدوار طيلة حياتنا (كوننا مواطنين على سبيل المثال) ، وبعضها يتراكم زمنياً (كوننا عضواً في هيئة محلفين على سبيل المثال). بعض الأدوار يتم اختيارها ذاتيا (على سبيل المثال أن تكون كاتباً) وبعضها يتم بناؤها اجتماعيا وتفرض علينا (على سبيل المثال أن تكون أبيض/أسود إلخ).
الفشل المرتبط بالأدوار هو على الأرجح النوع الأكثر إثارة للاهتمام من الفشل. يمكن أن تكون الأدوار كبيرة أو صغيرة، وفي كثير من الأحيان تأتي مع أهداف ومعايير متغيرة. وبالتالي، من السهل بالنسبة لنا أن نفشل في الاستمرار في الاضطلاع بالأدوار الاجتماعية، وأن ننظر إلى أنفسنا على أننا إخفاقات عبر أدوار متعددة. عندما أفكر في نفسي للحظة، فهنا بعض الأدوار التي أشغلها وبعض تصورات الفشل التي قد ترتبط بها:
الفشل الأكاديمي: أنا فاشل كأكاديمي لأنني لم أنشر بما فيه الكفاية، ولم أشرف على ما يكفي من طلاب الدكتوراة، و لم أحظى بما يكفي من تمويل للبحوث إلخ.
فشل الجنسين: أنا فاشل كرجل لأنني لست قوياً بما فيه الكفاية، صارماً بما فيه الكفاية، أو ناجحاً ماليا، أومستقرا عاطفيا إلخ.
الفشل الأبوي: أنا فاشل كأب لأنني لم أقضي ما يكفي من الوقت مع أطفالي، أو أوفر لهم ما يكفي من الرعاية، وأمنحهم بداية متقدمة في الحياة، إلخ.
فشل المواطن: أنا فاشل كمواطن لأنني لم أصوت في الانتخابات الأخيرة، ولم أشارك في المنظمات والأنشطة المحلية، ولم أواكب الأخبار السياسية وما إلى ذلك.
ولكي أكون واضحاً، لا أدّعي أنني في الواقع أعتبر نفسي فاشلاً عبر هذه الأدوار المتعددة. ومقصدي ببساطة هو أنني لأنني أتقلد أدواراً اجتماعية متعددة، ولأن كل دور له أهداف ومعايير قد أفشل في تحقيقها، فمن الممكن أن يكون تصور الفشل المرتبط بالأدوار مستمراً ومنتشراً إلى حد كبير. وهذا هو السبب الذي يجعلني أشك في أن تصورات الفشل المرتبط بالأدوار كثيراً ما تكون الأكثر إزعاجاً على المستوى النفسي.
3. اللاعقلانية في تصورات الفشل
وعلى الرغم من أن احتمال الفشل متوطن في الحياة البشرية، فإنني أعتقد أن العديد من تصوراتنا للفشل غير منطقية أو لا مبرر لها. وعلى وجه الخصوص، أعتقد أننا نميل إلى الإفراط في نسب الفشل إلى حياتنا وأن هذا مسؤول عن الكثير من العذاب غير الضروري. ودعماً لهذه الأطروحة، أقدم الحجج الأربع التالية.
3.1- مشكلة عدم الدقة
وفي كثير من الأحيان يكون لدينا تصور غير دقيق للأهداف والمعايير التي نحتاج إلى بلوغها لكي نحقق النجاح. ويصدق هذا بشكل خاص على الأدوار الاجتماعية التي لها أهداف ومعايير متعددة، وبالتالي أبعاد متعددة يمكن قياس النجاح والفشل على أساسها. وهذا من شأنه أن يجعلنا غير متأكدين مما إذا كنا ناجحين أو فاشلين، وبالتالي يجعل من السهل علينا، اعتماداً على تفكيرنا، أن نعزو الفشل إلى حياتنا دون مبرر.
مثلاً، ماذا يعني ان يكون المرء أكاديمياً ناجحاً؟ أحد مقاييس النجاح هو عدد المنشورات في المجلات التي يراجعها الأقران. هذه صورة لطيفة يمكن التعرف عليها بسهولة. ولكن كم عدد المنشورات التي تكفي لاعتبار الأكاديمى ناجحاً؟ هل 20 كافية؟ 40؟ 120؟ أنا لست متأكداً أن أي شخص يعرف. وعلى أي حال، فإن مجرد حجم المنشورات قد لا يكون المقياس الأفضل للنجاح. ربما هو عدد المنشورات في المجلات الأعلى مرتبة؟ ولكن ما هو نظام التصنيف الذي ينبغي ان تستعملوه؟ أو ربما هو عدد الإقتباسات؟ أو مؤشر إتش؟ أو مؤشر i-10؟ أو ربما هو مجموع تمويل البحث الذي تم منحه لك؟ أو عدد طلاب الدكتوراه الذين أشرفت عليهم؟ ربما هو عدد وسائل الإعلام التى ذكرتك؟ ربما كل هذه الأشياء ؟ ربما هذا يركز على البحث بشكل مفرط ؟ ربما يعتمد على تقييم الطلاب للعملية الدراسية؟ وهناك العديد من الطرق المختلفة لقياس "النجاح" الأكاديمي ، ومن غير المرجح أن ينجح أي شخص في كل هذه الكعايير. وبالتالي ، من السهل أن تستمر تصورات الفشل.
ويمكن أن تؤدي مشكلة عدم الدقة أيضاً إلى نشوء مشكلة تحول الأهداف. في بعض الأحيان تتغير أهداف ومعايير النجاح. في بعض الأحيان يتم دفع المعيار أعلى. أحياناً تتغير كلياً. ذات يوم قال بيتر هيغز ـ صاحب نظرية جسيم بوزون هيغز ـ إنه لن يتمكن من الحصول على وظيفة كعالم أكاديمي اليوم لأن المعايير تغيرت كثيراً منذ كان طالباً في الدراسات العليا. إن عدد المنشورات المتوقعة من الأكاديميين المبتدئين في الوقت الحاضر أعلى بكثير مما كان عليه في الستينيات. لقد كان هذا اعترافاً مذهلاً ولكنه واقعي. من خلال أي فهم منطقي للنجاح، فإن بيتر هيغز هو عالم ناجح بشكل غير عادي ؛ لكن النسخة الحديثة منه لن تُعطّى فرصة لتصبح ناجحة. وسوف يفشل في وقت مبكر ويتم ترشيحه للخروج من النظام. وهذه المشكلة المتمثلة في تحويل الأهداف يمكن أن تؤثر على أي شخص في أي دور اجتماعي.
يمكن أن تؤدي مشكلة عدم الدقة أيضاً إلى مشكلة الفشل الذى لا حدود له. وإذا كانت أهدافنا ومعاييرنا غير دقيقة، فمن الممكن لنا أن نزيد من توقعاتنا باستمرار: فنسعى إلى المزيد والمزيد. ونتيجة لذلك، فإننا لا نشعر أبداً بالسعادة ولا نقدر نجاحاتنا. كان المتشائم الأكبر آرثر شوبنهاور واعياً بهذه المشكلة منذ ما يقرب من قرنين من الزمان. وادعى أن مأساة الحالة الإنسانية هي رفع توقعاتنا و رغباتنا أكثر من أي وقت مضى. فبمجرد أن نُشبع رغبة واحدة، تأخذ واحدة أخرى مكانها. وما لم نفلت من قوة الرغبة، فسوف نعيش على حلقة مفرغة من الفشل الدائم.
3.2- مشكلة نقص القيمة
كثيراً ما تفتقر الأهداف والمعايير المرتبطة بالنجاح إلى القيمة. ويمكن أن يكون هذا صحيحاً من الناحية الموضوعية -فكل من ينظر إلى تلك الأهداف والمعايير بعقلانية وتأملًا يتفق على أنها تفتقر إلى القيمة - أو من الناحية الذاتية -يعتقد آخرون أن لها قيمة ولكنها تفتقر إلى القيمة بالنسبة لنا-. وبالإضافة إلى ذلك، فإن بعض الأهداف والمعايير متناقضة أو متعددة الجوانب. يرتبط بهم الخير والشر على السواء. وهذا يعني أن ما نعتبره في البداية شرطاً لا غنى عنه للنجاح يمكن أن يتحول إلى دواء مر. وإذا حققنا المعيار أو الهدف، فقد نغير رأينا ونقرر أن ذلك ليس في الواقع علامة على النجاح. وسنكون قد فشلنا حتى في نجاحاتنا الظاهرة.
وتشير بيفرلي كلاك في كتابها عن الفشل إلى أن هذه المشكلة تنطبق بشكل خاص على بعض نماذج النجاح التي تسود العالم الحديث. كلاك هي واحدة من الأكاديميين الذين يستخدمون مصطلح "الليبرالية الجديدة" لتسمية الوحش الذي يجب قتله. غالبًا ما يكون تعريف الليبرالية الجديدة ضعيفاً (إن تم تعريفه على الإطلاق). وفي هذا السياق ، يعني ذلك شيئا مثل الميل إلى النظر إلى كل حياة الإنسان ونشاطه من خلال منظار الأسواق الاقتصادية واستخدام النجاح الاقتصادي بوصفه المقياس النهائي للنجاح. وبعبارة أخرى، أنت كفرد، تعتبر ناجحا -في عالم الليبرالية الجديدة -إذا كنت ناجحاً اقتصادياً: فلديك مهنة مربحة، ولديها الكثير من القوة الشرائية، وتمتلك مجموعة من الأصول (المنزل والسيارة وما إلى ذلك). المشكلة هي أن هذا النموذج الاقتصادي للنجاح هو شيء تم فرضه علينا. نحن لم نختره لأنفسنا. كما أن العديد من مقاييس نجاحه تفتقر إلى القيمة أو أنها ذات قيمة مشكوك فيها. ويمكن أن يؤدي امتلاك الأصول إلى مستويات عالية من المديونية والقلق المالي المستمر. وحيازتك مهنة مربحة يمكن أن تسلبك كل وقتك وطاقتك من عائلتك وأصدقائك. هل هذا حقاً علامة النجاح؟
ولا غرابة في أنني أتعاطف مع هذا الخط من الجدالات. فقد ألفت كتاباً كاملاً عن المشاكل المرتبطة بالعمل والمخاطر المترتبة على افتراض أن الإزدهار والمعنى لابد وأن يستمدا من حياة المرء المهنية. غير أن نقطة كلاك قابلة للتعميم. وكثيراً ما ينتهي بنا الأمر إلى إتباع سيناريو شخص آخر والارتقاء إلى مستوى مثله العليا. من المهم أن تتراجع في بعض الأحيان وتسأل نفسك ما إذا كنت تتبع مساراً تجده قيماً بالفعل. وإذا لم يحدث ذلك، فإن نجاحك سيكون وهمياً وهشاً.
3.3- مشكلة المحدودية
الحياة البشرية محدودة. لدينا وقت محدود، موارد محدودة وعقول محدودة. هذه المحدودية هي واحدة من السمات المميزة للوجود. كما ذُكر في وقت سابق، تجادل كلاك بأن المحدودية تعني أن الخسارة - باعتبارها مختلفة عن الفشل- هي جزء لا مفر منه من حياة الإنسان. ولكن حتى لو قبلنا هذا التمييز، فإن المحدودية تطرح مشاكل بالنسبة لإدراكنا للفشل.
ونحن نشغل العديد من الأدوار في الحياة ولدينا العديد من الخيارات التي يتعين علينا إتخاذها. ومن المستحيل عملياً النجاح في جميع الأدوار والخيارات. يجب تقديم التضحيات. وهذا يعني أن جميع نجاحاتنا تميل إلى أن تأتي بتكلفة فرصة كبيرة ، ولكن لا مفر منها. وهناك أشياء أخرى كان يمكن أن نقوم بها كانت ستعطينا أيضا بعض الشعور بالنجاح ، ولكننا اخترنا طريقاً مختلفاً منعنا من القيام بذلك. المشكلة هي أننا لا نتقبل تكلفة الفرصة البديلة هذه. إن طموحنا لا حدود له ولذلك نشعر بأننا فاشلون لعدم حصولنا على كل شيء.
لقد ذكرت، في وقت سابق، مثال الكتابة وتكاليف الفرصة البديلة لها. فقد قضيت فترات طويلة من حياتي أحدد أهدافاً لكتابة الكتب والمقالات. وقد نجحت في العديد من هذه المساعي (ولكن بالتأكيد ليس كلها) وقد كلفني هذا ثمناً. على سبيل المثال، كان ذلك يعني أنني لم أقضي وقتًا في إعداد الدروس أو الإدارة الأكاديمية. وقد كان ذلك محبطاً وأدى إلى شعور بالفشل عندما يتعلق الأمر بأدائي في تلك الأدوار المتعلقة بالعمل. لكن لا يمكنني الحصول على كل ما أريد فأنا لا أستطيع تحقيق نفس مستوى النجاح عبر الأدوار.
أعرف هذا على المستوى الفكري ومع ذلك، لا أزال أعتبر نفسي فاشلاً لعدم تحقيق كل ذلك. وهو أمر غير عقلاني، ولكن من الصعب أن نتخلص من وهم الفشل. وأحد أسباب ذلك هو أن الضغوط الخارجية تذكرني باستمرار بالمسارات التي لم يتم اختيارها والفشل الناجم عن ذلك. لذا فإن الأمر لا يتعلق بالطموح الفردي فحسب، بل وأيضاً الضغوط الخارجية التي تشجع هذا الشعور القديم بالفشل.
3.4- مشكلة عدم السيطرة
والمشكلة الأكبر في إدراكنا للفشل هي ميلنا إلى تحمل المسؤولية عن أشياء لا تقع في نطاق سيطرتنا. ومرة أخرى ، هذا ليس دائماً خياراً طوعياً. في بعض الأحيان يتم تشجيعنا على رؤية شيء ما على أنه تحت سيطرتنا في حين أنه ليس كذلك. وهذا يعزز من تصورات الفشل التي لا مبرر لها حقا.
لقد ذكرت سابقاً الفرق بين الرفض والفشل. أنت تفشل عندما تقصر فى جهودك؛ يتم رفضك عندما يرفضك شخص آخر. غالباً ما يتداخل الفشل والرفض عندما تعتمد الأهداف التي حددناها لأنفسنا على قبول الآخرين ، لكننا في نهاية المطاف لا نتحكم في كيفية استجابة الآخرين لنا. إن ربط الرفض بالفشل ليس أمراً غير مبرر فحسب ، بل أعتقد أنه وصفة مثالية للتعاسة.
وكما لوحظ، كثيرا ما يكون الكتاب والأكاديميون مذنبين بذلك. يعتقد الأكاديميون أنهم فشلوا إذا فشلوا في النشر ، الفوز بالمنح ، الحصول على الحيازة وما إلى ذلك. ولكن كل نجاح من هذه النجاحات يعتمد على القبول أو الرفض من قِبَل مجموعة من حراس تلك البوابات. ومن الخطأ الإعتقاد بأنه يمكنك تحمل المسؤولية عن ذلك وأن الرفض هو علامة على الفشل. هناك أسباب كثيرة للرفض؛ بعضها ليس له علاقة بك أو بجودة عملك. فما يمكنك أن تتحمل المسؤولية عنه (حين تتذكر ما قلته للتو عن المحدودية) هو عدد المنح التي تتقدم لطلبها، وعدد مرات كتابة المقالات وتقديمها للنشر، وعدد الوظائف التي تتقدم لطلبها، وما إلى ذلك. إذا كنتم ستحصلون على معايير النجاح، هذا ما يجب أن تركزوا عليه، وليس على القبول. هاكم أحد الأمثلة الممكنة لهذا. منذ سنوات، ذكرت كم أحب نصيحة الكتابة التي يقدمها بول سيلفيا للأكاديميين في كتابه كيف تكتب كثيراً. يقول أن هدفك يجب أن يكون أن تصبح (الكاتب الأكثر رفضاً) في قسمك. أعتقد أن هذا كان إعادة صياغة مثيرة للاهتمام. أن تكون مرفوضاً مراراً يعني أنك لم تستسلم وأنك ما زلت تكتب وترسل منشورات. أنا لا أوافق تماماً أن الرفض يجب أن يكون الهدف. لكن ما زالت المحاولة هى يجب أن تكون الهدف وهذا يعني فصل ما يعنيه النجاح عن الرفض.
بطبيعة الحال، الأمر ليس بهذه البساطة. إذا تم تشجيعنا باستمرار لتحمل المسؤولية عن أشياء خارجة عن سيطرتنا، وربط تصوراتنا للنجاح والفشل بتلك الأشياء، فإننا نخاطر بخيبة أمل دائمة. كرست بيفرلي كلاك فصلاً طويلاً عن الجنسانية والفشل في كتابها كيف تكون فاشلاً. وهو تاريخ ثقافي مثير للاهتمام من معايير النجاح والفشل للرجال والنساء ، يغطي الجميع من توما الأكوينى إلى جيرمين غرير. والفكرة الرئيسية من ذلك هي أن معايير نجاح المرأة غالبا ما ترتبط بالأشياء التي لا تستطيع السيطرة عليها ، ولا سيما الجمال والخصوبة. أنتِ ناجحة، كامرأة، كنتيجة للصفات الجسدية التي قد تمتلكينها أو لا تمتلكينها. فضلاً عن ذلك، وبما أن كل الجمال يتلاشى والخصوبة تنتهي (على الرغم من التحسن في التكنولوجيا)، فإن حياة كل النساء محكوم عليهن بالفشل لأنهن سوف يخسرن جميعاً لا محالة ما كان من المفترض أن يؤدي إلى نجاحهن. سوف يعاني الجميع من هذه الخسائر، ولكنها غالباً ما ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمعايير النجاح المؤنثة. وتعلق كلاك:
… هناك تاريخ طويل من استخدام جسد الأنثى كحاوية للقلق الذي ينشأ عن تجربة كون الإنسان جسداً عرضة للتغيير. فالجسم ليس مجرد كيان مادي على الإطلاق: بل إنه يتشكل دوماً وفقاً للأعراف والقيم الاجتماعية. ومن خلال استكشاف النجاح والفشل من خلال المفاهيم التي تمارس بشكل روتيني على جسم الأنثى، فمن الممكن أن نميز المخاوف القوية بشأن الخسارة تحت الروايات الثقافية حول ماهية الفشل.
إن ربط نجاح الإناث بالصفات الجسدية مثل الجمال والخصوبة ليس أمراً محتوماً. هو، جزئيا على الأقل، بناء اجتماعي، ولكن إذا كنتِ امرأة فإنه من الصعب التحرر تماماً من هذه المعايير التي شيدت اجتماعياً. يمكنك أن تعترف باحتمالات خروجهم عن سيطرتك و تحاول أن تتبع خطتك الخاصة لكن هذا سيكون صعباً دائماً هذا هو الدرس الذي يجب أن نتعلمه.
4. الاستنتاج: الحد من الفشل
أنا لا أريد يتم استخلاص الإستنتاج الخاطئ من هذا التحليل. أنا لا أدعي أن الفشل ليس شيئا حقيقيا ، ولا أنه لا يمكن للمرء أن يتعلم من الفشل. بالطبع هو كذلك، وبالتأكيد يمكنك ذلك. وتماماً كما أن هناك خطرا يتمثل في ربط فشلنا بأشياء خارجة عن سيطرتنا، هناك أيضاً خطر بالإفتراض بأننا عاجزون عن تغيير مصائرنا.
ولكن من المهم اتباع نهج عقلاني ومعقول إزاء الفشل. إذا كنت محقاً ، فالفشل غالباً ما يكون مبالغاً فيه ونعذب أنفسنا بلا داع نتيجة لذلك. فهل من الممكن ان نصحح هذه المفاهيم الخاطئة ونعيش حياة اكثر هدوءا؟ ربما. أنا لا أعمل في مجال بيع الحلول، لم أفلح في كل شيء وأنا أشك في أي شخص يدعي أنه يفعل ذلك غير أن المناقشة السابقة انبثقت عنها ثلاثة اقتراحات هي:
ندرك أنه بما أن هناك العديد من السبل للفشل (العديد من الأدوار ، والعديد من المهام) ، فهناك أيضاً العديد من السبل للنجاح. فإذا لم ينجح دور أو مهمة بعينها ، حاول أن تركز على أخرى (إذا كان في وسعك أن تفعل ذلك). أنت لا تستطيع النجاح في كل شيء ولكن يمكنك أن تنجح في بعض الأشياء.
انتقد الاهداف والمعايير التي تحدد تصوراتك عن الفشل. خذ الوقت لتأخذ خطوة للوراء وتسأل هل تناسبك حقاً وتجعلك سعيداً. ففي كثير من الأحيان، تفرض علينا قوى خارجية معايير النجاح والفشل. لا قيمة لها ولا جاذبية لنا. قد يكون من الصعب تحقيقهم تماماً، ولكن يمكنك على الأقل التعرف عليهم على حقيقتهم وتقترب منهم مع شعور صحي من الإستخفاف.
ركّز على ما في وسعك و تحت سيطرتك. حاول ألا تربط تصوراتك عن النجاح بأمور خارجة عن سيطرتك. اذا فعلت ذلك، فستشعر بالاحباط. وهي نصيحة بسيطة ــ معيارية منذ زمن الرواقيين ــ ولكن تنفيذها أصعب مما قد تتصور. فالأمر يستغرق وقتاً لكي تتبين ما هو تحت سيطرتك حقاً وإعادة تنظيم أهدافك على النحو المناسب.
مقال مترجم من الإنجيزية بمدونة مناقشات فلسفية
إذا أردت أن تُدّعم المحتوى الثقافي المقّدم لك بثمن كوب قهوة فهذا يسرنا كثيراً، فقط اضغط على الزر التالي