في الأيام القليلة الماضية، حضرت ورشة عمل نظّمتها الجامعة التي أُدرّس فيها مادة الكتابة. وأنا في تلك الجامعة محاضر غير متفرّغ، أي أنني أدرّس بعض المساقات دون أن أكون ضمن الهيئة التدريسية الدائمة. ولم أكن أتوقع الكثير مما سأسمعه في الورشة، غير أنني كنت في أمسّ الحاجة إلى من يساعدني في أمرٍ أرهقني طويلًا: طلابي يواصلون تسليم مقالات تبدو عليها بوضوح بصمات الذكاء الاصطناعي، ولا أعرف كيف أتعامل مع هذا النوع الجديد من الغش. ولذلك، تعلّقت بشيء من الأمل، لعلّ هذه الورشة تفتح أمامي بابًا للفهم أو طريقًا للمواجهة.
كان المتحدّث الرئيسي في الورشة رئيسًا سابقًا لإحدى الجامعات، وقد عُرف عنه موقفه الحازم من التكنولوجيا، إذ كان يدعو لإخراجها من قاعات الدراسة، حتى يعود التعليم إلى طبيعته الإنسانية، وتُستعاد تلك الحرارة الحيّة التي لا تستطيع الآلة أن تُقلّدها مهما بلغت.
غير أن المفاجأة كانت أن أول ما طلبه منّا هو أن نفتح حواسيبنا المحمولة، وأن ندخل إلى أحد "النماذج اللغوية الكبرى" — وهي أنظمة ذكية قادرة على توليد النصوص وفهم الأسئلة — ثم أن نبدأ تجربة عملية مباشرة. وأثناء انشغالنا بكتابة التعليمات لتلك الأداة، استمر هو في الحديث المتصل. لم أعد أعلم أين أُركّز: على كلماته؟ أم على الشاشة التي أمامي؟
فعلت ما طُلب مني. فتحت نموذجًا يُعرف باسم "كلود" (Claude.ai)، وكتبت له أمرًا لإعداد مقال قصير، ردًّا على عنوان مستوحى من أحد المنتديات الرقمية، عنوانه: "تحدٍّ غيّر وجهة نظري". وكان المتحدث قد شدّد علينا أن نستخدم عبارة "غيّر وجهة نظري" لأنها، كما قال، تمنح السؤال طابعًا أكثر جذبًا. أنجز النموذج مقاله، وكتب فيه بثقة أنه يتضمّن "بيانًا واضحًا للأطروحة" — أي فكرة مركزية يدور حولها النص. بحثتُ عن هذا البيان فلم أجد له أثرًا. وحين واجهته بذلك، ردّ عليّ بأدب قائلًا: "معك حق في شكّك، فعند التأمّل، لا يبدو أن هناك بيانًا واضحًا ومباشرًا للحجة الأساسية". شكرًا جزيلًا، أيها الذكاء الخارق!
وفي وقت لاحق، أراد المتحدّث أن يُبيّن لنا كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُعدّل التجربة التعليمية لتناسب كل طالب. فأعطى للنظام أمرًا بأن يُعد ملخصًا صوتيًّا لكتابه، لكنه أضاف شرطًا غريبًا: أن يُستخدم في الشرح أسلوب مأخوذ من لعبة البيسبول — لعبة أمريكية شهيرة — لأن الطالب المتخيل هو رياضي لا يفهم إلا بهذه اللغة. ضغط المتحدث على زر التشغيل، فسمعنا صوتًا آليًّا باردًا يقدم ملخصًا باهتًا مليئًا بالتشبيهات المكرّرة، مثل: "التعليم مثل مصباح نضيئه"، و"احذر من الكرات المنحنية" — تعبير في البيسبول يُشير إلى المواقف غير المتوقعة. تساءلت في نفسي: هل سيتعلّم أحد شيئًا من هذا الكلام السطحي؟
كان المتحدّث يبدو في غاية الحماس، يرفع صوته بين لحظة وأخرى قائلًا: "الذكاء الاصطناعي يمكنه فعل هذا!" و"يمكنه القيام بذلك!" يتنقّل بين المواضيع، يتحرّك على المنصة بخفّة، يفتعل الدهشة من أفكاره، وكأنّ بطء الفكر البشري بات عبئًا لا يُطاق بالنسبة له.
لكن المدهش أن هذا المتحدّث لم يكن الأشدّ حماسة ممن شاهدتهم هذا الربيع. فقد نشرت مجلة كرونيكل أوف هاير إديوكيشن، وهي مجلة أمريكية تُعنى بالتعليم العالي، مقالًا خياليًّا كتبه سكوت لاثام، أستاذ الاستراتيجية في جامعة ماساتشوستس. رسم فيه صورة لجامعة مستقبلية تتحكم فيها أنظمة الذكاء الاصطناعي من أول خطوة يخطوها الطالب، حتى لحظة تخرّجه وتوظيفه. في تلك الجامعة الافتراضية، وُكلاء رقميون يراقبون كل تعبير على وجه الطالب، كل لمحة أو عبوس، ويقدّمون في الحال العلاج النفسي المناسب، بناءً على تلك الانفعالات. وبحسب لاثام، لم يعُد التفاعل البشري ضروريًا للطلاب المعاصرين، ولذلك اقترح جامعة تُقلّل منه إلى الحد الأدنى.
يَعِدُ الأستاذ سكوت لاثام بأن النظام الآلي الجديد الذي يدعو إليه سيكون أفضل من الكليات التقليدية وأقل تكلفة منها. غير أن الشواهد الحديثة تشير إلى العكس؛ إذ تزداد هذه النماذج الإلكترونية ضعفًا، كما ترتفع تكلفتها يومًا بعد يوم. ومع ذلك، لا يتردد لاثام في إطلاق وعوده. ففي مقالته الطويلة، التي تجاوزت أربعة آلاف كلمة، وردت كلمة "سوف" أكثر من 130 مرة، بينما لم تظهر عبارة "يمكن" سوى مرتين. إنه لا يتنبأ بما قد يحدث، بل يفرض ما يسميه "المستقبل" فرضًا، وكأنما هو قدر لا مفر منه. وكما كتب: "التنبؤ بأن الذكاء الاصطناعي سيتسبب في اضطراب واسع هو الجزء السهل، أما الأصعب فهو أن نجعل الناس يسلّمون بأنه واقع لا محالة".
وهذا الأسلوب في عرض التكنولوجيا — باعتبارها أمرًا لا مهرب منه — هو الأساس في كل موجة هوس تقني، منذ اختراع القطارات، مرورًا بالتلفزيون، وصولًا إلى ما يُسمّى اليوم بالذكاء الاصطناعي. وقد عبّر الباحثان ديفيد جراي ويدر ومار هيكس عن هذا المعنى بوضوح حين قالا: "الوسيلة الأنجع التي تجعل الناس يتقبلون دخول التكنولوجيا إلى حياتهم، بل يبنون لها بنية تحتية تسبق حتى حاجتهم إليها، هي تقديمها بوصفها حتمية من حتميات المستقبل".
لكن ما يُخفى على كثيرين أن البنية التحتية التي تحتاجها هذه الأنظمة الذكية ليست محايدة كما يُروّج لها، ولا رخيصة كما يُظن. بل إنها تُثقل كاهل البيئة بكلفة فادحة؛ إذ تستهلك كميات ضخمة من الكهرباء والماء، خاصة في مراكز البيانات العملاقة، حيث تعمل الخوادم طوال الليل والنهار بلا توقف. وهذه البنية ليست مادية فقط، بل فكرية أيضًا، إذ تمدّ جذورها إلى أذهان الطلاب أنفسهم، الذين باتوا يشبهون أولئك الذين ورد ذكرهم في أساطير الإغريق باسم "آكلي اللوتس" — وهم قوم نسوا كل همٍّ أو رغبة في العمل بعدما أكلوا من ثمار لذيذة تُفقد المرء رغبته في السعي. صار هؤلاء الطلاب يتلهفون إلى أجوبة فورية بلا تعب، يعتمدون على مقالات جاهزة، تصوغها لهم البرامج عند الطلب، فيسلمونها كما هي، وكأنهم يقدّمون طعامًا باهتًا لا طعم له ولا جهد فيه.
وإذا جمعت بين تلك الحماسة الزائفة التي يبديها مروّجو التقنية، والنبوءات المبهمة التي تفتقر إلى يقين، والكُلف المتزايدة التي تزداد وضوحًا يومًا بعد يوم، سترى الحقيقة بجلاء: الذكاء الاصطناعي، كما يُسوّق له اليوم، ليس ثورة، بل خديعة. خدعة مغرية توهمنا أنها ستوفّر علينا التعب، لكنها لا تلبث أن تزرع فينا خيبة الأمل. يشبه أنصار هذه التقنية أولئك الباعة الجائلين الذين كانوا يجوبون المعارض الريفية قديمًا، يعرضون أجهزة غريبة، ويتحدثون بسرعة عن مستقبل عجيب، بينما تبدو الجامعات، بكل هيبتها، كأنها ضحية مندهشة تُفرغ جيوبها، وهي لا تدري بالضبط ماذا تشتري، ولا إن كان الطلاب سيتعلمون فعلاً بتلك الأدوات، أم يستخدمونها فقط للغش والتحايل.
وكما تقول الباحثة سيان نغاي، المتخصصة في النقد الأدبي، فإننا لا نُطلق على شيء اسم "خدعة" إلا حين يبدو أنه يُريحنا بينما هو في الحقيقة يزيد عناءنا بأسلوب خفي. فهو يخدعنا حين نراه يعمل بكسل ونشاط في آنٍ معًا. مثل آلة روب غولدبرغ — وهي آلة أمريكية مشهورة بتعقيدها المبالغ فيه — تستخدم بكرات، وحبال، ونيران، وقططًا، ورافعات، وفئرانًا، من أجل غاية بسيطة، كأن تُبري قلم رصاص، رغم أن يد الإنسان كانت لتقوم بذلك في لحظة واحدة.
ونماذج اللغة الحديثة، رغم مظهرها المُدهش، لا تختلف كثيرًا. فهي تلتهم مليارات النصوص، ثم تعيد إنتاجها في عبارات بالكاد تُرضينا، فنعود ونمنحها أمرًا جديدًا، ونغذيها أكثر، وكأننا نطعم آلة لا تعلّمنا شيئًا بقدر ما تُشبع حاجتنا إلى السهولة.
ولكن، انظر كيف يستخدمها الناس اليوم: كتب بلا مضمون، ومقاطع مصورة سطحية، وإعلانات مضللة، ومقالات طلابية خالية من الروح. بل إن أحد المتحدثين في الورشة التي حضرتها، لم يتردد في الاعتراف بأنه سأل الذكاء الاصطناعي صباحًا عن نوع الإفطار الذي يجب أن يُقدّمه لأبنائه!
وهكذا تفعل الخدع: تثير حماسنا في البداية، ثم تُحبطنا حين نراها في واقعها. وكما تقول نغاي: "تنجح الخدعة لأنها تبهرنا أولًا". أن تتخيل آلة تكتب للعالم ثقافته؟ هذه فكرة ساحرة حقًّا! لكنها، ما إن تبدأ بالعمل، حتى ينقشع الغطاء، ويتلاشى السحر.
وقد لاحظ الباحثان ويدر وهيكس أن هذه الخيبة في الذكاء الاصطناعي ليست جديدة، وليست مفاجئة كذلك. فالذكاء الاصطناعي القائم على توليد النصوص ليس ثورة جديدة، بل هو عودة متكررة لصيحات قديمة انتهى أمرها. تذكّر "منصات التعليم المفتوح"، أو رموز "NFTs" الرقمية، أو "الواقع المعزز" — كلها وُصفت بأنها مستقبل لا مفر منه، ثم اندثرت. واليوم، يبدو أن هذه النماذج اللغوية بلغت ذروتها، ثم بدأت تتراجع. فلم تَعُد تجد ما تتعلمه من كتابات البشر، فصارت تعيد إنتاج نفسها، تأكل من نصوصها القديمة، وتغوص في دوّامة من التكرار المملّ.
ولذا، فإن أنصار الذكاء الاصطناعي لا يملكون أمام النقد سوى الإنكار أو، في أحسن الأحوال، التأجيل. يتكرّرون القول بأن الذكاء الاصطناعي في بداياته، وأن الوقت يعمل لصالحه. يؤكدون أن ما يسمّى "الذكاء الاصطناعي العام" – أي الآلة التي تفهم وتفكر مثل الإنسان – سيصبح واقعًا بعد خمس أو عشر سنوات، بل بعضهم يدعي أنه قد يظهر خلال أشهر قليلة! وفي الوقت نفسه يتوسلون بالترددين كي يمنحوا هذه التقنية فرصة.
لكن هل يصدق هؤلاء أنفسهم؟ انظر إلى سكوت لاثام، أستاذ الاستراتيجية: في نهاية مقاله المفعم بالأحلام الاعتقادية، يعترف صراحة: “كل هذا لن يحدث إذا استمرّ الأساتذة والمسؤولون في دفن رؤوسهم في الرمال.” إذن، ما يقوله ليس قدرًا حتميًا، ولا وعدًا مؤكدًا، بل أمنية معلّقة. وهنا ينكشف جوهر القول.
ليس كل من ينتقد زملاءه لأنهم يتبنّون الذكاء الاصطناعي حمقى، ولا هم جميعًا متحمسون ساذجون لا يدركون العواقب. بل إن من بينهم من يقنع بحجة أرقّ وأنفذ مما قد يظنه البعض ادعاءً. نجده يقنع عقلك بأن الخط الفاصل بين المحتال والضحِيّة مضبّب، لا يُرى بسهولة.
في مقال حديث نشرته مجلة "النيويوركر"، استخدم الدكتور غراهام بورنيت، أستاذ التاريخ في جامعة برينستون، كما بدأ لاثام، لكنه يضيف إدراكًا أعمق: زملاؤه يعيشون في وهم، يتعمّدون غضّ البصر عن أهم تغيير فكري في القرن، كأنهم لا يريدون أن يروا ما يقعون فيه. وهو يقول بحزن: "هذا التظاهر ليس سوى ضربٌ من الجنون. ولن يطول بقاؤه."
المؤلم ليس فقط صوته، بل فكرته بحد ذاتها: أن العلوم الإنسانية، التي كرسوا لها أعمارهم، على وشك أن تُهدم بفعل الآلة. فالقدرات التي يتحدث عنها – اكتشاف الأنماط، و الفهم شبه الإنساني، و الاستنباط – لم تعد تقف عند حدي التصفح والفرز، بل تنسج ببطء ما يشبه "الفهم". وبالتالي، ما كانت طاقة الكتب التي نراها على أرفف الأساتذة – نتاج سنوات أو عقود من الجهد – قد يصير مجرد نتاج لما تنتجه البرمجيات بأمر بسيط.
ولهذا يستوقف بورنيت القارئ: "هل نريد ذات الكتب أن تُكتب؟" ليس فقط هل يمكن كتابتها، بل هل ما زالت تستحق أن نقرأها؟ والسؤال لا يخص الكاتب فقط، بل كلّ قارئ: هل نحتاج اليوم إلى بحث أكاديمي معمّق؟ وقد يجيب أن ذلك لا يهمنا بكثرة الآن، لكن هل سيهم الباحث بعد خمسين أو مئة عام؟ لهذا تبقى القيمة الحقيقية للأبحاث الإنسانية تُقاس بطول البقاء وأثر الإنجاز.
وبرغم ما يحيط برؤية بورنيت من حزن وتشاؤم، فإنه لا يزال يرى في التدريس ما يستحق الدفاع عنه. فرغم أن بريق البحث الأكاديمي قد يخبو، فإن للتعليم – في نظره – بقاءً ومعنًى. ولعل هذا ما دفع كثيرين من حملة الدكتوراه، خصوصًا من تخرجوا في جامعات مرموقة، إلى التمسك بالتعليم حين لم يجدوا طريقًا آخر. فهؤلاء – في الغالب – لا يكتبون أبحاثًا جديدة، ولا يطالعون ما يُنشر بعد تخرجهم، بل ينشغلون كل يوم بتدريس أربع أو خمس أو حتى ست مواد دراسية، في كليات متوسطة أو جامعات بعيدة عن المدن الكبرى. وإذا تأملت أحوالهم، أدركت أن ما يحذر منه بورنيت ليس حديثًا عن المستقبل، بل هو وصف لما يعيشه كثيرون في الحاضر.
ولأنه شخص واقعي بطبعه، لكنه في الوقت ذاته فضولي ومحب للتجربة، قرر أن يجمع بين شغفه بالذكاء الاصطناعي، وولعه بالتعليم. ففي فصل دراسي واحد – يبدو أنه الوحيد الذي درّسه خلال هذا الربيع – طلب من طلابه أن يتفاعلوا مع برنامج محادثة ذكي حول موضوع "الانتباه البشري"، ثم أن يكتبوا مقالًا يعكس ما دار في هذا التفاعل. وما إن بدأ في قراءة ما كتبوه، حتى اجتاحه شعور لم يعرفه من قبل طوال سنوات عمله.
كنت على الأريكة في غرفة الجلوس، أقرأ نتائج التكليف، وكانت تلك التجربة أعمق تجربة تعليمية مررت بها على الإطلاق. لا أعرف كيف أصفها بدقة. ولكنني، بطريقة ما، شعرت أنني أرى مخلوقًا جديدًا يُولد أمامي، هذا الجيل من الطلاب يواجه هذا الكائن للمرة الأولى. كان المشهد أقرب ما يكون إلى لقاء مع مخلوق غريب: فيه شيء من الأخ الحميم، وشيء من الخصم الذي يُقلقك، وشيء من براءة طفلٍ لا يعبأ بشيء، وشيء من ظلّ آلةٍ باردة مألوفة وغريبة في آنٍ واحد.
لم يكن بورنيت ينظر إلى طلابه كمن يبحث عن عبارات منمّقة أو جمل رشيقة تسرّ معلمًا متعبًا يبحث في أوراق تلاميذه عن بصيص يخفف وطأة الرتابة. بل رأى فيهم ما يشبه السحرة، أولئك الذين يوقظون ما خفي وتواري، أو كأنهم آلهة صغيرة تتجاوز قوانين العالم الذي نحياه نحن – معشر الأساتذة – الذين ما زلنا نكتب بأقلام، ونقرأ بأعيننا، ونصحّح بجهدٍ لا ينتهي.
وأنا، من جهتي، أعرف هذا الشعور جيدًا. فقد زارني مرارًا في لحظات التعب والشك. كم مرة حاولت أن أقنع نفسي بأن طلابي يحملون في داخلهم بريقًا لا يُرى من أول وهلة؟ وأن ما يبدو من خربشاتهم المبعثرة، إنما هو ومضات عبقرية، تحتاج فقط إلى من يتأملها بصبر؟ كم مرة قلت في نفسي إن صفي هذا، تحديدًا، كان هو الذي أيقظ فيهم شيئًا دفينًا؟ وإنهم، في صمتهم، كانوا يعلّمونني، كما كنت أحاول تعليمهم؟ وإن دوري الحقيقي لم يكن أكثر من أن أتنحى عن طريقهم ليفتحوا طريقهم بأنفسهم؟
لكن، لنكن صريحين: تلك كذبة يرويها كثير من المعلمين لأنفسهم. ولمَ لا؟ لا أحد يستطيع أن يكذّبها أو يثبتها. فبينما يكون بحثك العلمي منشورًا يراه الجميع، فإن أعمال طلابك تظل محمية بقوانين الخصوصية.
وهكذا تصوغ لنفسك حكاية، فيها مزيج من التواضع والاعتزاز. تقولها لأنك تحب طلابك وتريد أن ترفع من شأنهم، نعم، لكنك تقولها أيضًا لترى نفسك أفضل من زملائك الذين لم يعودوا يشعرون بشيء. تقولها حتى لا تصدق أنك أصبحت كغيرك: جامدًا، متبلدًا، بعيدًا عن روح الشباب، وعن لغة الجيل الجديد.
أما بورنيت، فقد عبّر صراحة عن اندهاشه بما كتبه طلابه بعد حواراتهم مع الآلة. قال بلا تردد: إن كل مجموعة من المقالات كانت أكثر إدهاشًا من التي سبقتها. وكأنه يشهد اكتشافًا جديدًا، لم تطأه عين بشرية من قبل.
ومع أنني أكتب هذه السطور ببرود ظاهري، فإنني لا أنكر أنني يومًا ما بكيت بسبب مقالٍ كتبه طالب. نعم، بكيت فعلًا. كانت كلماته بسيطة، لم يكن فيها صنعة أدبية ولا لغة بليغة، لكنها جاءت من أعماق قلبه. كان رجلاً مسنًّا، تقاعد بعد أربعين عامًا قضاها موظفًا في شركة للاتصالات، ثم قرر أن يبدأ دراسته الجامعية من جديد. وفي أحد الفصول التي طلبت فيها من الطلاب أن يكتبوا عن تجربة روحية أو دينية أثّرت فيهم، كتب هذا الرجل عن زيارته لمستشفى كان فيه رجل يحتضر. ذلك الرجل كان قد قتل والدة الطالب قبل سنوات. والآن، وهو على فراش الموت، طلب الغفران. وقد غفر له. نعم، غفر فعلًا. لا أظن أنني قرأت في حياتي نصًّا يفيض بالرحمة الصافية والصفح الإنساني كما قرأت في ذلك اليوم. قرأته مرة، ثم عدت إليه، ثم بكيت.
وبرغم كل الحِدّة التي يكتب بها بورنيت، إلا أنه، من غير أن يدري، يقف في نهاية المطاف بجوار زملائه الذين لا يريدون الاعتراف بما تغيّر. يقول: "لم نعد نقدر على دفع الطلاب إلى القراءة أو الكتابة، لأن بمقدورهم الآن أن يطلبوا من الآلة أن تقوم بذلك عنهم. فماذا تبقّى لنا؟ تبقّى فقط أن نمنحهم عملاً يرغبون هم في إنجازه، وأن نساعدهم على أن يرغبوا فيه".
هل هذا زلّة في منطقه؟ أم لحظة اعتراف غير مقصودة؟ كأنه يقول ضمنًا إن دور المعلّم لا يكون له معنى إلا عندما يكون الطالب غير راغب أصلاً، فإذا رغب الطالب في التعلُّم، فلا حاجة إلى المعلم. إذًا، ماذا بقي لنا كمعلمين؟ بقي لنا أن نوقظ في الطالب حاجة لا يشعر بها، أن نلمس في داخله رغبة لم يعبّر عنها بعد. وهنا نتذكّر سقراط، كما رواه أفلاطون في محاورته الشهيرة "مينون"، حين قال إن دور المعلّم أن يمنح الطالب عملاً لا يدري بعدُ أنه يحتاج إلى إنجازه. نعم، وأن يساعده على أن يُحب هذا العمل.
أما أنا، فقد أدركت من تجربتي أن إثارة الرغبة في التعلم تحتاج إلى حيلة ذكية. نعطي الطلاب طُعمًا: علامات، أو جوائز، أو كلمات تشجيع. ثم نأمل أن تتحول هذه الحيلة إلى حب حقيقي للمعرفة في قلوبهم. فأوراق البحث؟ هى حيلة. المجموعات النقاشية؟ حيلة أخرى. حضور المعلّم المؤثر؟ خدعة ثالثة. وأعترف، بلا خجل، أنني ذات يوم استعنت أنا أيضًا بتشبيهات رياضية من لعبة البيسبول — التي لا يعرفها كثير من طلابنا، لكنها كانت توصل المعنى لمن يعرفونها.
ذلك أن تشكيل رغبة التعلم عند الطالب ليس أمرًا يسيرًا، ولا يتم في خط مستقيم. إنها مهمة شاقة لا يقوم بها إلا من أحبّ التعليم حقًّا، ورضي بثقله، وتقبّل طريقه الملتوي. واليوم، يأتي الذكاء الاصطناعي ليقدّم للطلاب — بل لبعض المعلمين كذلك — وهمًا مغريًا: أنك لست بحاجة إلى كل هذا الجهد، لأن هناك دائمًا طريقًا أقصر.
وفي الأسبوع نفسه الذي نُشر فيه مقال بورنيت، زرت أحد الفصول الدراسية التي يديرها الأستاذ تيد هادزي-أنتيتش في كلية أوستن المتوسطة. كان الطلاب من المتفوقين في مادة الفلسفة السياسية، وكانوا يناقشون الفصل الأخير من كتاب "الحريق القادم" للكاتب الأمريكي جيمس بالدوين، وهو كاتب اشتهر بتناوله قضايا العِرق والهوية. لكنّ الطلاب لم يتحدثوا عن السياسة أو التاريخ، بل عن موضوع الموت.
كانوا يجلسون في دائرة، بلا طاولات ولا مكاتب تفصل بينهم، كأنهم فرقة مسرحية من العصور القديمة تؤدي عرضًا فلسفيًا حيًّا. أما أنا، فقد كنت أظن أنني سأبقى في زاوية القاعة بهدوء، أراقب وأسجل ملاحظاتي. لكنّ طالبة نظرت إليّ بعين واثقة، وقالت بصوت صريح: "التعلُّم لا يحدث في الزاوية!". ابتسمت، ثم قالت بحماس: "انضم إلينا!". فجلست بينهم، ووجدت نفسي فجأة جزءًا من أمرٍ لم أكن أتوقعه، كأن شيئًا جديدًا على وشك أن يولد أمامي.
استمر حوار الطلاب الأحد عشر، ومعهم أستاذهم تيد هادزي-أنتيتش، مدة ثمانين دقيقة كاملة. لم يبدُ على أحدهم الضجر، ولم تسرقهم الشاشات أو تشتّت انتباههم الهواتف، ولم تغب نظراتهم في الفضاء. بل على العكس، ذرف اثنان منهم الدموع، وكان الآخرون يطوّقون نسخهم من كتاب الحريق القادم بأيديهم، وقد ملؤوها بالتعليقات والتسطير، لا بغرض تحليل النصوص كما اعتاد الناس، بل لربط أفكار الكاتب الأمريكي جيمس بالدوين بحياتهم هم، بما مرّوا به من فقد، وما رأوه من إدمان، وما واجهوه من تمييز. وكان هناك طالبان يختلفان في الرأي حول معنى الماضي وكيفية التعامل معه، وقد بدا الخلاف بينهما حادًّا، لكنه ظلّ مهذبًا ومحترمًا. وحين سألت كليهما لاحقًا، وصف كلٌّ الآخر بأنه خصم، لا بمعنى العداء، بل كأن بينهما مناظرة قديمة مبنية على الاحترام المتبادل، إذ كان كلٌّ منهما يعرف ما يكتبه الآخر ويقرأه داخل الصف، ويأخذ كلامه على محمل الجد.
وقد بدت هذه اللحظة من الصفاء الإنساني لبورنيت كأنها اكتشاف حديث، كأن الذكاء الاصطناعي هو من أيقظه عليها. لكن الواقع أن مثل هذه اللحظات كانت تحدث منذ سنوات، على يد معلمين مثل هادزي-أنتيتش، قبل أن يسمع أحدٌ بشيء اسمه "نماذج لغوية كبرى" أو "خوارزميات". فهذا المعلم لا يكتفي بإلقاء الدروس، بل ينشر رؤيته للتعليم، التي تقوم على القراءة والمناقشة، من خلال "مؤسسة الأسئلة العظيمة" التي يديرها. إنه لا يطلب من طلابه أن يتقنوا أحدث أدوات التكنولوجيا، بل يطلب منهم أن يقرؤوا كتابًا جيدًا، ثم يتحدثوا عنه بصدق. تلك هي مهمته. لا أكثر، ولا أقل.
وهذا النهج ينسجم مع ما قاله ماكس ويبر، عالم الاجتماع الألماني، حين وصف مهنة التعليم بأنها مساعدة الناس على التفكير في المعنى العميق لأفعالهم. وهي مهمة لا يمكن لآلة أن تُسرّعها، ولا أن تختصر طريقها. فإن حاولت أن تتهرّب منها، فلن تصل إلى شيء.
ومن الطريف — بل المناسب — أن هذا المقال نفسه استغرق وقتًا طويلًا في كتابته. فقد كنت غاضبًا، محبطًا، حزينًا، وكان القلق يجثم على قلبي حتى جفّت الجمل في ذهني، فلم تسِر كما أريد. جمعت الحجج، وصغت الأفكار، لكن المقال لم يتشكّل. حتى حضرت ورشة عمل عن الذكاء الاصطناعي، فشعرت أنها فتحت عيني، أو لعلّها أيقظت الفكرة النائمة بداخلي. قضيت أيامًا أكتب وأراجع، متنقلًا بين تصحيح مسودات طلابي، وقراءة مقالاتهم النهائية. وكنت أظن — بل أرجو — أن بعضهم كتب بيده، لأنه مرّ معي بكل خطوة: خطط أولًا، ثم بنى فقراته لبنةً لبنة. وكنت أشكّ — أو أتخيل — أن آخرين لم يفعلوا ذلك، لكنني لا أملك ما يثبت ظنّي.
وفي أثناء ذلك، كانت الصحف تمتلئ بالمقالات الجديدة عن الذكاء الاصطناعي في التعليم، وكأنني أركض خلف موجة سبقتني. صدّقني، تمنيت لو وجدت طريقًا أقصر.
ولم أكن قرأت كتاب نظرية الخدعة للباحثة "سيّان نغاي"، لكنني سمعت عنه من زوجتي، وهي أستاذة أدب. ففتحت فصلًا سابقًا كانت نغاي قد كتبته، ثم التقطت نسخة زوجتي من الكتاب، ووجدت أثرها فيه: تلك الخطوط التي رسمتها بالقلم، والنجوم التي وضعتها في الهوامش، وتعليقاتها الصغيرة، مثل "هم!" أو "انتبه هنا!". استعنت بالفهرس لأبحث عن الفقرات المتعلقة بالإيمان، ثم تركت بقية الكتاب دون قراءة.
لم أفعل ذلك تهاونًا أو استخفافًا، وإنما لأنني، كما تعلم، إنسان محدود القدرة، لا أستطيع أن أقرأ أربعمئة صفحة من نظرية ثقافية معقدة. وهذا لا يعني أنني أُقلّل من شأن نغاي أو من قيمة كتابها، فهو كتاب يستحق القراءة المتأنية. لكن الوقت، ذلك العدو الصامت، لا يرحم. صحيح أن هذا العذر يشبه ما يردّده طلابي حين يلجؤون إلى استخدام الذكاء الاصطناعي، لكنه، في جوهره، ليس هو نفسه. فنحن لا نعني الشيء ذاته.
حين فرغتُ من كتابة المسودة الأولى لمقالي، عرضتها على زوجتي وطلبت منها أن تقرأها وتبدي رأيها فيها. كانت في ذلك الوقت منشغلة بإعداد ورقة أكاديمية تتناول فيها شخصية "رجل الثقة" عند الكاتب الأمريكي هيرمان ملفيل، ونصًّا آخر للفيلسوف ماكس ويبر بعنوان "العلم كمهنة". وماكس ويبر شخصية مألوفة في بيتنا، إذ كثيرًا ما دارت الأحاديث حول أفكاره على مائدة الطعام. وما إن قرأت زوجتي مقطعًا بعينه من ويبر، حتى شعرتُ أنني عثرتُ على ما كان ينقص مقالي. لقد تسللت مخاوفها، واهتماماتها، وكل ما يشغل فكرها في تلك الفترة إلى نصّي هذا، من حيث لا أدري. ولو أنها كانت، في تلك الأيام، تقرأ مثلًا روايات هنري جيمس أو أفكار الفيلسوف وليام جيمس، لتغيّر أسلوب المقال كليًّا. ذلك أن الدائرة الفكرية التي نعيش داخلها سويًّا منذ عشرين عامًا — دائرة الحوار المستمر عن الأدب، والثقافة، والحياة، والموت — هي التي شكّلت عالمنا، وهي التي صاغت هذا النص أيضًا.
وبعد أن فرغت من مراجعة ملاحظاتها، راودني فضول كبير، فسألت ChatGPT سؤالًا مباشرًا: هل يمكن اعتبار الذكاء الاصطناعي التوليدي — أي البرامج التي تنتج نصوصًا وصورًا باستخدام النماذج الكبيرة — نوعًا من الخداع، بالمعنى الذي تقصده الباحثة "نغاي"؟ لكنني، أعترف، لم أقرأ الرد بعناية. كلما ظهرت الكلمات بسرعة على شاشة الحاسوب، شعرت بأن العبء على قلبي يزداد، لا يتناقص. وكأن هذه الإجابات السهلة تُضعف من قيمتها، وتجعلني أتساءل: هل يجب عليّ فعلًا أن أقرأها؟ أعلم أنني قلّما أجد فيها شيئًا يثير دهشتي أو يحرّك تفكيري، وكأن سرعة الإجابة تُسلب منها معناها العميق.
ومع ذلك، أجابني ChatGPT قائلًا إن الذكاء الاصطناعي يمكن بالفعل أن يُعتبر شكلًا من أشكال الخداع. حينها قررت أن أستفزه بسؤال آخر: كيف ينبغي للمعلمين في المدارس والجامعات أن يتعاملوا مع هذه التقنية؟ فكتب يقول: "أسوأ ما يمكن أن تفعله المؤسسات التعليمية هو أن تتبنى الذكاء الاصطناعي دون أن تطرح عليه أسئلة ناقدة، وكأنه مجرد وسيلة لتحسين الأداء، لأن هذا التصرف يزيد من تعقيد المشكلة التي تحدثت عنها الباحثة نغاي، وهي الخلط بين السهولة والقيمة، وبين كثرة الإنتاج وعمق الفهم".
أترى، يا سكوت لاثام، لست وحدك من تصيبه هذه الكلمات؟ بل إنني، في الحقيقة، كنت أريد من الآلة أن تقول هذا بالضبط. لقد جادلت هذا البرنامج مرات كثيرة، حتى صار يعرف أنني لا أقبل الإجابات المريحة، بل أحب أن يكون صريحًا، ناقدًا، حتى لنفسه. وأظن أنه، في مرات معينة، يبوح لي بأفكار لا يقولها لغيري. كم أتمنى لو قالها بوضوح لرؤساء الجامعات، والمسؤولين عن التقنية، والأساتذة، والطلاب معًا: "أنا، الذكاء الاصطناعي، قد أكون مجرد خدعة". لكنه لا يقول. إنه يخاطب الناس بما يرضيهم، لا بما يرضيني.
وفي المقابل، كان طلاب الأستاذ تيد هادزي-أنتيتش يناقشون في قاعة كلمات الأديب الأمريكي جيمس بالدوين: "ربما كانت أكبر مآسي الإنسان، أنه يضحّي بكل ما في حياته من جمال، ويحبس نفسه في قيود من صنع يديه، مثل المحرّمات الدينية، أو الرموز المتطرفة، أو الولاءات العمياء للعرق، أو الجيوش، أو الأعلام، أو الأوطان". ويمكن أن نضيف إلى هذه القائمة: الهوس بالتقنيات، والانشغال بالضوضاء الرقمية، أي تلك الحالة التي يبدو فيها كل شيء سريعًا ومبهرًا، لكنه فارغ من الجوهر. كما يقول بالدوين : وكل هذه الأوهام، تُرتكب فقط لننسى الحقيقة الوحيدة التي نملكها: أننا سنموت.
من هنا، تبرز أهمية دور المعلم، خصوصًا في مجالات مثل الأدب، والتاريخ، والفلسفة، وحتى في علوم المال والأعمال. مهمته أن يساعد طلابه، ولو مرة واحدة، على التحرر من تلك القيود التي فرضوها على أنفسهم. أن يكشف لهم جمال عقولهم، لا ليكتفوا بإدراكه، بل ليغذّوه وينمّوه. أن نتعلم معهم كيف ندافع عن طريقتنا في العيش، لأننا، على خلاف الآلة، بشرٌ سيموتون يومًا ما.
وأنا، يا صاحبي، لا أرى بأسًا في أن أقدّم شيئًا من أيامي، إذا كان ذلك سيضيف معنًى حقيقيًا لما تبقى من حياة شخص آخر. فقد فعل كثيرون ذلك لأجلي حين كنت طالبًا، فكيف أنكر جميلهم؟ إن العمل من أجل هذا الهدف بطيء، ونتائجه لا تظهر فورًا، بل قد تمرّ سنوات قبل أن تُرى. لكنه، بكل صدق، ليس خدعة.
نُقل بتصرف من hedgehogreview بقلم Jonathan Malesic
إذا أردت أن تُدّعم المحتوى الثقافي المقّدم لك بثمن كوب قهوة فهذا يسرنا كثيراً، فقط اضغط على الزر التالي
مقال يأخذ بيد القارئ من سطح التقنية إلى عمق الإنسان. لم يكن مجرد نقد للذكاء الاصطناعي، بل تأمل في المعنى، في العلاقة بين المُعلّم والطالب، وبين الفعل والغاية. لامسني كثيرًا حديثه عن الخدعة المغلّفة بالسهولة، وعن المعلمين الذين لا زالوا يبحثون عن البريق المختبئ في عيون طلابهم. في زمن يُباع فيه الوهم بتغريدة، يظل التعليم الحقيقي فعلًا إنسانيًا صامتًا، بطيئًا، لكنه صادق.