في عام 1885، أقدم طبيب نفسي إنجليزي على نشر حالة لرجل يدعى "و.ب"، عاش حياته متنقلًا بين السجون والمصحات، وكأن قدره قد ارتبط بالتيه بين عوالم العقل والجنون. وصفه الطبيب في تقريره بأنه "رجل هادئ ومفيد"، رجل تلقى قسطًا من التعليم واستمتع بقراءة الصحف. ولكن خلف هذه الصورة التي تبدو عادية، كانت تختبئ ظلال غريبة من حياته، إذ كان يجد متعة غريبة في تقطيع الخيول، بل وتقطيع البشر كذلك. لقد أحب زوجة أبيه، ولكنه اعترف في لحظة صادمة بأنه خطط لاغتصابها. هذه الاعترافات المثيرة نُشرت في مجلة العلوم النفسية، لتثير الدهشة في الأوساط الطبية.
لم يكن "و.ب" من أولئك الذين يعانون من الخرف أو الاكتئاب؛ بل بدا كأنه يتمتع بوعي تام وسيطرة كاملة على عقله. ومع ذلك، كان يقوم بأفعال لا يمكن وصفها إلا بأنها جنونية. صنّفه الطبيب على أنه مصاب بـ"الجنون الأخلاقي"، وهو مصطلح نشأ من أفكار فيليب بينيل، مؤسس الطب النفسي الحديث، الذي كان يميز بين "الشر العادي الذي يفعله البشر" وذلك النوع الآخر الغامض الذي لا يمكن تفسيره.
كان أمثال "و.ب" يمثلون لغزًا كبيرًا للأطباء النفسيين: هل هم مجانين أم مجرد أشرار؟ جاء عام 1941 ليحمل تفسيرًا جديدًا حين نشر هيرفي كليكلي كتابه الرائد "قناع العقل". كانت كلمة "سيكوباث" معروفة من قبل، لكنها كانت تُستخدم كمصطلح فضفاض للإشارة إلى المرضى صعبي العلاج. غير أن كليكلي قدّم تعريفًا محددًا لهذا النوع من الأشخاص، حيث وضع ستة عشر سمة وصفة تميزهم. كان السيكوباث، كما وصفه، جذابًا لكنه مخادع، ذكيًا لكنه يفتقر إلى أي شعور بالندم. كان يكذب بلا خجل ويتصرف باندفاع، والأدهى من ذلك، كان غير مكترث تمامًا بآلام الآخرين، بل ويشعر بالقليل من العواطف بنفسه. كتب كليكلي قائلًا: "الجمال والقبح، الخير والشر، الحب والرعب، وحتى الفكاهة، لا تحمل أي معنى فعلي بالنسبة للسيكوباث."
في وقت لاحق من مسيرته المهنية، نشر كليكلي دراسات تفصيلية عن اضطراب الشخصية المتعددة، لكن عمله حول السيكوباتية ظل الأثر الأبرز الذي تركه. من خلال "قناع العقل"، صنع كليكلي صورة أسطورية للسيكوباثي، ذاك الوحش الذي يعيش بيننا بوجه بشري يخفي داخله فراغًا من الإنسانية. هذا الغموض الذي أحاط بالسيكوباثي جعله كائنًا ساحرًا وخطيرًا في آنٍ واحد. لم تكن هناك أي إشارات تكشفه؛ فقد يبدو لطيفًا أو عاديًا تمامًا عند اللقاء الأول، وربما كان هذا ما جعله أكثر إثارة للقلق. ومع تصاعد الفظائع التي شهدها القرن العشرون، من القتلة المتسلسلين إلى الطغاة السياسيين، أصبح السيكوباثي رمزًا للشر المستتر خلف عبقرية مظلمة.
ومع ذلك، كانت صورة كليكلي للسيكوباثي تحمل في طياتها تعاطفًا ملحوظًا؛ فقد وصفه بأنه "الرجل المنسي في الطب النفسي"، ذلك الإنسان الذي ظل مجهولًا، وغير مفهوم، وغير معالج. ولكن خلفاء كليكلي في هذا المجال استغلوا المصطلح لتفسير أمراض المجتمع، وركزوا على الشخصيات الأكثر تطرفًا، حتى أصبحت صورة السيكوباث في المخيلة العامة تتسم بالشيطانية المطلقة. اكتسبت السيكوباتية طابعًا مثيرًا جذب إليه الفضول والوصم في آنٍ واحد، وتحول اهتمام كليكلي بالسيكوباتيين من محاولة لفهمهم إلى القلق منهم.
أثناء عمله كطبيب نفسي في مستشفى حكومي بولاية جورجيا، لاحظ كليكلي أن جزءًا من مرضاه لا يتناسب مع أي تشخيص معروف. هؤلاء المرضى كانوا يتحدثون بلطف، يجتازون الفحوصات العقلية بسهولة، بل ولم يروا في أنفسهم أي خلل. ومع ذلك، كانت حياتهم مليئة بالفوضى والاضطراب، وكأنهم عاجزون عن العيش بشكل طبيعي. وصف كليكلي حالتهم بأنها تشبه فقدان القدرة العاطفية، حيث يمكنهم تقليد الأصوات، لكنهم لا يدركون معناها. كما وصفها آخرون لاحقًا: "يسمع كلمات الأغنية لكنه لا يسمع اللحن."
على الرغم من جدية موضوعه، جاء كتاب "قناع العقل" بأسلوب ممتع وحيوي، لا سيما من خلال دراسات الحالة التفصيلية التي كتبها كليكلي بعناية. ومن بين هؤلاء المرضى، كان هناك محارب قديم يُدعى "ماكس"، رجل ذكي ومثير للاهتمام، أعلن أثناء احتجازه أنه فنان موهوب، وصنع أيقونات دينية من الخبز، ثم وزعها بسخاء على طاقم المستشفى. طالب بالخروج لشراء الألوان، ثم بغرفة خاصة كمرسم، وأخيرًا بالإفراج المشروط، ليُلبى طلبه في كل مرة. لكن بعد الإفراج عنه، تورط في شجار وضرب زوجته. يظهر من السرد أن كليكلي وجد هذا السلوك مزيجًا من الذكاء والعبث الأخلاقي.
كان مرضى كليكلي يمارسون الكذب والسرقة والعراك، ويعيشون حياة مليئة بالفوضى، ولكن دون نية شريرة دائمًا. وكما قالت والدة إحدى المريضات: "أعتقد حقًا أنها تنوي التوقف عن هذه التصرفات الرهيبة، لكنها لا تنوي ذلك بما يكفي." ومع ذلك، لم يكن معظم هؤلاء المرضى خطرين بشكل خاص. كان روبرت هير، عالم النفس الجنائي، هو من ربط السيكوباتية بشكل دائم بالعنف، مما أعطى هذا المصطلح بعدًا أكثر قتامة.
أخذ العالم "هير" على عاتقه مهمة بالغة الأهمية، إذ عمد إلى تحويل قائمة خصائص "كليكلي" إلى اختبار علمي يمكن قياسه بدقة وموضوعية. وقد تجلت هذه القائمة في عام 1991، حيث أصبحت أداة علمية تُقيم الصفات السيكوباتية على مقياس يتراوح بين 1 إلى 40، بحيث يشير الرقم 30 إلى الحد الفاصل بين الشخصية السيكوباتية وما دونها. وعندما طبق "هير" هذا الاختبار على نزلاء السجون، كانت النتائج صادمة: 20% منهم يحملون سمات السيكوباتية، وترتفع هذه النسبة إلى 50% بين مرتكبي الجرائم العنيفة. الأكثر دهشة أن هؤلاء السيكوباتيين كانوا عرضة لإعادة ارتكاب الجرائم بمعدل ضعف أقرانهم بعد الإفراج عنهم. وهكذا أصبحت قائمة "هير" أداة معتمدة لتقييم المخاطر، واتخاذ القرار بشأن الإفراج المشروط.
غير أن "هير"، رغم إسهامه العلمي اللافت، تعامل مع السيكوباتيين باعتبارهم تهديدًا اجتماعيًا يقتضي السيطرة عليه. فكتابه "بدون ضمير"، الصادر عام 1993، قدّم السيكوباتيين في صورة مفترسين اجتماعيين يفتقرون للرحمة، ويتنقلون بين البشر بوجه ساحر وقلب قاسٍ، مخلفين وراءهم قلوبًا محطمة وأحلامًا منكسرة وجيوبًا خاوية.
يتخلل كتاب "بدون ضمير" مقتطفات صادمة من تقارير إخبارية عن قتلة ومجرمين، وتبرز فيها عبارات تنضح بالقسوة. من ذلك قول أحدهم: "هل أشعر بالسوء إذا اضطررت لإيذاء أحدهم؟ أحيانًا، لكن غالبًا ما يشبه الأمر دهس حشرة." هذه المقتطفات تخلق انطباعًا بوجود أزمة عنف إجرامي متفشٍ، رغم أن "هير" نفسه أقر بأن ليس جميع من ورد ذكرهم في الكتاب يُعتبرون سيكوباتيين يقينًا. وبين صفحات الكتاب نجد شخصية "تيد بندي" تتصدر المشهد، ذلك القاتل الشهير الذي أُعدم بعد محاكمة شغلت الرأي العام. قيّم "هير" شخصية بندي بعد وفاته، مانحًا إياه درجة شبه مثالية على مقياس السيكوباتية. ولكن، في خضم أسطورة بندي التي ترسخت في الوجدان الأمريكي، تلاشت حقيقة أن هذا القاتل لا يمثل السيكوباتيين العاديين.
ومن هذا السياق ننتقل إلى تساؤل تسأله لنفسك الآن: كم عدد السيكوباتيين الذين قد نلتقيهم في حياتنا اليومية؟ تشير "مارثا ستاوت"، في كتابها "السوسيوباثي المجاور" الصادر عام 2005، إلى أن واحدًا من كل 25 أمريكيًا يحمل سمات السوسيوباتية (تم تقديم هذا المصطلح لفترة وجيزة في القرن العشرين كبديل لمصطلح "سيكوباتية"، ولكنه لم ينتشر إلا في الثقافة الشعبية).. لكن هذا الادعاء، وإن ظل شائعًا، يفتقر للأساس العلمي. فالسيكوباتية ليست مصطلحًا معتمدًا في علم النفس الرسمي، والمصطلح ذاته أُدخل لفترة وجيزة في القرن العشرين، لكنه سرعان ما غاب عن الأدبيات العلمية لصالح مصطلح اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (ASPD). يتميز اضطراب ASPD بمعايير أوسع بكثير، ويتجاهل سمات شخصية رئيسة مثل انعدام التعاطف والمشاعر السطحية. وتشير أغلب التقديرات إلى أن انتشار السيكوباتية الحقيقية في الولايات المتحدة تقل عن 1%، وهي نسبة توازي انتشار فقدان الشهية العصبي أو الفصام.
في كتابها "السوسيوباثي المجاور"، تطرح مارثا ستاوت رؤية مقلقة، حيث تصف السوسيوباثيين كمشكلة صحية عامة تفوق حجمها المتوقع، وتشبّهها بالطاعون الذي ينتشر بين البشر بلا هوادة. ورغم أن ستاوت، المنتمية إلى جامعة هارفارد، تحمل لقب طبيبة نفسية، فإن عملها لا ينصب مباشرة على دراسة السيكوباتية، بل يتوجه إلى معالجة ضحايا الصدمات النفسية. وفي هذا الإطار، تشير إلى أن عددًا كبيرًا من عملائها قد دُمّرت حياتهم بسبب السوسيوباثيين، لكنها، ويا للعجب، لا تقدم تفسيرًا واضحًا أو دليلًا دامغًا يُثبت استنتاجاتها بأن هؤلاء هم القوى الكبرى التي تدمر البشرية.
وتذهب ستاوت إلى ما هو أبعد، فتقترح، بطريقة تثير الجدل، أن السوسيوباثيين يقفون وراء كل الشرور التي تحيط بالمجتمع البشري. هم، في نظرها، المسؤولون عن الجرائم الفظيعة، وعن الأزمات الاقتصادية، وعن الحروب التي تنهش أوطانًا وتفتك بالبشرية. بل إنها تستشهد بأحداث 11 سبتمبر ثلاث مرات في كتابها، وكأنها تجعل من هذه الكارثة دليلًا على صحة ما تقول. وتكتب بأسلوب مفعم بالعاطفة: "إن الفظائع التي نراها على شاشات التلفزيون، وأحيانًا نعانيها في حياتنا، ليست انعكاسًا للطبيعة البشرية المعتادة، بل هي نتيجة لغياب الضمير التام فى هذا السوسيوباثي، ذلك الشيء الغريب تمامًا عن طبيعتنا." وهكذا، في تصورها، لا يُعد السيكوباتيون بشرًا عاديين، بل هم أقرب إلى الشياطين التي تتجسد في صورة إنسان.
وإذا لم يكن هذا كافيًا لإثارة المخاوف الأخلاقية، فإن ستاوت تحذر من أن السوسيوباثيا آخذة في التزايد بسبب التحولات القيمية لدى الأجيال الشابة، التي باتت تُفضّل الفردية على الجماعية. ولعل هذا الخطاب المثير كان سببًا في النجاح الكبير الذي حققه كتابها "السوسيوباثي المجاور"، نجاح دفعها إلى إصدار كتاب آخر يُقدم أدوات عملية لمواجهة هؤلاء الأشخاص، مشيرة إلى نصائح منها: "عليك أن تدرك أنك في جانب الخير."
لكن من هم هؤلاء الأشخاص الذين يثيرون قلق ستاوت؟ إنهم، كما تصفهم، أشخاص قد يكونون شركاء في الزواج أو زملاء في العمل، وربما يشبهونك أنت أو أي شخص تعرفه. هؤلاء، وفقًا لبعض علماء النفس، يُطلق عليهم "السيكوباتيون الناجحون". والحق أن هؤلاء لا يُقبض عليهم عادة، ولا ينتهي بهم المطاف في السجون، كما أنهم لا يُسببون أضرارًا جسيمة لمن حولهم. بل يعيشون حياة تبدو طبيعية نسبيًا. وفي الواقع، يمكن اعتبار ذلك أمرًا إيجابيًا، لأنه يعني أن هؤلاء الأفراد تمكنوا من إدارة سماتهم السيكوباتية بطريقة غير مؤذية. ولكن، ويا للمفارقة، فإن كتب علم النفس الشعبي أعادت صياغة هذه الفكرة الوظيفية لتُصورها على أنها قوة خارقة تمنح السيكوباتيين ميزة تنافسية في بيئات العمل.
وقد عززت دراسة هير لعام 2010، التي جاءت بعنوان "السيكوباتية في الشركات"، هذه الفكرة، حيث كشفت أن حوالي 4% من عينة صغيرة من المديرين التنفيذيين يحملون سمات سيكوباتية، وهي نسبة تفوق المعدل الطبيعي بثلاثة إلى أربعة أضعاف. ولم يمض وقت طويل حتى استغلت وسائل الإعلام هذه النتائج، وبدأت تظهر عناوين لافتة لكتب مساعدة ذاتية مثل "حكمة السيكوباتيين" و"دليل السيكوباثي للنجاح". وهكذا، برز في القرن الحادي والعشرين النموذج المثالي للسيكوباثي في صورة المجرم ذو الياقة البيضاء، الذي يشبه في ملامحه شخصيات مثل "باتريك بيتمان" أو "بيرني مادوف"، أكثر مما يشبه القتلة التقليديين مثل "هانيبال ليكتر."
أما بالنسبة للعامة، فقد أصبحت فكرة "السوسيوباثي المهني" شائعة لدرجة أن الناس باتوا يُشخّصون أي شخص ناجح وغير محبوب على أنه سوسيوباثي. من دونالد ترامب إلى مشاهير الإعلام مثل "مستر بيست"، صار هذا الوصف يُطلق جزافًا ودون دليل، وكأنما يُراد به تأكيد أمر بديهي: أن بعض البشر سيئو الطباع.
ومهما يكن من أمر، إذا كانت السيكوباتية حقًا بهذه الشيوع كما تشير الأبحاث، فإن ذلك يعني أن هناك عددًا كبيرًا من الناس يسعون إلى إيجاد تفسير لها وفهم طبيعتها. ففي عام 2008، ظهرت امرأة تُعرف باسم مستعار هو "إم إي توماس"، وبدأت مدونة حظيت بشهرة واسعة، تسرد فيها تفاصيل حياتها بأسلوب يثير الفضول ويغري بالمتابعة. قادتها تلك المدونة لاحقًا إلى إصدار كتابها الذي حقق شهرة واسعة تحت عنوان "اعترافات سيكوباتية". ومؤخرًا، شهد هذا العام صدور مذكرات بعنوان "سيكوباث"، كتبتها باتريك غانيه، وهو عمل يفتح نافذة فريدة على عقل يختلف عن العقول التقليدية في طريقة تفكيره وإدراكه للعالم.
تبدأ قصة غانيه في طفولتها المبكرة، حيث بدأت في سرقة الأشياء الصغيرة، وتحديدًا الحلي التي أثارت انتباهها. لكن المدهش أنها لم تشعر بالخجل أو تحاول إخفاء فعلتها، بل كانت تعترف بها لوالدتها بكل صراحة، الأمر الذي دفع الأم إلى مناداتها، بسخرية محببة، بـ"الفتاة الصادقة". ومع مرور الوقت، لم تتغير نزعاتها بل تفاقمت؛ إذ أصبحت تقتحم منازل الجيران بشكل متكرر، وفي فترة دراستها الجامعية أخذت تستمتع بقيادة سيارات الآخرين دون إذنهم. وحتى في بداية حياتها المهنية كوكيلة موسيقية، لم تتوانَ عن مطاردة الناس بشكل يثير الريبة، ولم تقف جرائمها عند البشر فحسب، بل امتدت لتشمل الحيوانات، حيث قامت بخنق قطة.
قد يقول قائل إن غانيه كانت محظوظة في حياتها؛ فقد نشأت في بيئة ميسورة الحال، وكانت امرأة بيضاء تحظى بامتيازات اجتماعية، ولديها أم متفهمة تدعمها، الأمر الذي ربما ساهم في تخفيف وطأة عواقب تصرفاتها. ورغم أن قصتها تبدو مثيرة للاهتمام، إلا أنها تثير شعورًا بالنفور؛ فهي تظهر في كتابها كشخصية مغرورة وأنانية، لا تترك مجالًا للتعاطف معها. بل إنها، في سردها لحياتها، تفشل في تقديم أي صورة عميقة للشخصيات المحيطة بها، وهو أمر ربما يعكس افتقارها إلى الروابط العاطفية العميقة.
غير أن غانيه، في مرحلة البلوغ، تبدأ في طرح تساؤلات مهمة. فهي تتعجب من وصم السيكوباتية بوصمة العار، وتتساءل لماذا لا تُعامل كموضوع للدراسة والفهم. كما تكتشف أنها لا تملك أي خيارات علاجية متاحة، وهو ما يثير تساؤلات أكبر حول هذه الحالة، تساؤلات تظل إلى يومنا هذا دون إجابة قاطعة في مجال علم النفس.
وفي العقود القليلة الماضية، شهد الطب النفسي تحولًا نحو نموذج يقوم على فكرة الطيف، وقد انعكس هذا التحول على فهم السيكوباتية أيضًا. فلم تعد السيكوباتية تُعتبر صفة ثابتة، بل أصبحت تُرى كاضطراب في الشخصية يتفاوت في شدته بين الأفراد، على غرار اضطراب طيف التوحد. ورغم أن قائمة "هير" المشهورة تقدم تصورًا مبدئيًا لهذا الطيف، إلا أن تركيزها على الجانب الإجرامي يحجب حقيقة أن غالبية السيكوباتيين ليسوا قتلة متسلسلين أو محتالين ماليين. بل إنهم أناس عاديون يواجهون صعوبة في إقامة العلاقات مع الآخرين، أو في اتخاذ القرارات التي تصب في مصلحتهم.
ومع ذلك، يبدو أن المجتمع لا يرغب في فهم السيكوباتيين أو مساعدتهم. فالبحث العلمي في هذا المجال يعاني من نقص كبير في التمويل، مقارنة بالاضطرابات الأخرى التي تشترك معها في معدل الانتشار. وكما قالت "إم إي توماس" في أحد أحاديثها مع منظمة تدافع عن السيكوباتيين: "إذا كنت سيكوباثيًا، فإنك ستُضطهد بدلاً من أن تُفهم."
كان هيرفي كليكلي، في كتابه الشهير "قناع العقل السليم"، يرى أن السيكوباتية ليست مشكلة أخلاقية، بل هي مشكلة صحية. ففي الطبعة الأولى من كتابه، أشار إلى أن "السيكوباثي يعاني من عجز حقيقي وغالبًا خطير". وفي الطبعة الخامسة والأخيرة، التي صدرت بعد مرور خمسة وثلاثين عامًا، اختتم كتابه بقوله: "قليل من المشكلات الطبية أو الاجتماعية تستحق هذا القدر من الدراسة والإلحاح." لكن، رغم ذلك، لم ينل السيكوباتيون الاهتمام الذي دعا إليه كليكلي. وربما لن يحدث ذلك حتى نرى ما رآه هو: أنهم ليسوا شياطين ولا أبطال خارقين ولا أساطير، بل بشر فحسب.
مترجم من مجلة newrepublic بقلم Camille Bromley
يعتقد أن الشخص السايكوباثي لديه النسخة المنخفضة من جين MAOA ، مما يجعله شخص غير عاطفي وربما مندفع
و اذ كان قاتلاً الم ينل العقاب