فن التخلي : ماذا يعلمنا التحليل النفسي عن التخلي و الاستسلام ؟
عن الإستسلام، هل هو النهاية أم بداية جديدة ؟
ألعب لعبة نتبادل فيها الأدوار أنا وصديقتي، ليست مجرد لعبة، بل هي جدال مستمر: "مضاجعة، زواج، قتل" بين الماضي والحاضر والمستقبل. جوابي -الذي أراه أميركياً بامتياز- هو مضاجعة الحاضر، والزواج من المستقبل، وقتل الماضي. فكرتي هي أنك ينبغي دائماً أن ترغب في مضاجعة الحاضر، أن تعيش اللحظة بكل ما فيها -كما يقول المعلنون- وأن تستمتع بكل جزء منها. أما المستقبل -كالزواج الأحادي- وعد بالاستقرار والنعمة. عليك أن تؤمن بالمستقبل، وأن تكون مخلصاً لما سيأتي ولما ستصبح عليه. بينما الماضي، قد مضى وانتهى، فماذا سنخسر إن قتلناه؟
لكن صديقتي لديها رأى مختلف، وهي أيضًا أمريكية وكاتبة عاشقة للروايات الخيالية. تقول إنه يجب عليك أن تضاجع المستقبل، وتتزوج الماضي، وتقتل الحاضر. أستطيع فهم جاذبية المستقبل بالنسبة لها، فهو يحمل في طياته كل المغامرات والإثارة والغموض. أما الماضي، فهو كنز ثمين يستحق الحفاظ عليه، فهو يحمل الذكريات والعبء العزيز الذي لا يمكن التخلص منه بسهولة. ولكن تكمن المشكلة في: لا أستطيع السماح لها بقتل الحاضر. وعندما نخوض في هذا النقاش، تقول لي: "أليس الحاضر يتلاشى بسرعة؟ ألم يختفِ بمجرد أن تحاول القبض عليه؟" وأجيبها بحزم: "الحاضر هو هذه اللحظة"، وأقطع الهواء بيدي كمن يحاول الإمساك بها. و أقول لها "أليس هذا ثميناً؟"
في كتابه "الزواج الأحادي" الصادر عام 1996، والذي يحتوي على تأملات جريئة حول الزواج، كتب المحلل النفسي البريطاني آدم فيليبس: "الزوجان عبارة عن مؤامرة بحثًا عن جريمة. وغالبًا ما يكون الجنس هو أقرب ما يمكن أن يحصلوا عليه." إنه تعبير رائع في كتاب مليء بالحكمة. لكنني لا أعتقد أنه محق تمامًا. نعم، الزوجان يشكلان مؤامرة، لكن الجريمة الحقيقية ليست الجنس، بل الزواج الأحادي ذاته، تلك الأنانية والجشع الذي يجعلنا نحتفظ لأنفسنا بأعظم شيء وجدناه. يشعر الأزواج السعداء دائمًا بقليل من الذنب تجاه الآخرين، وخاصة الأزواج الآخرين، وهذا ما يمنحهم شعورًا بالرضا. إنه شعور مريض، لكننا نستمتع به: حرمان الآخرين، والتمتع بما هو متوفر لدينا. ما هو أكثر إجرامًا من ذلك؟
و على شاكلة ذلك فإذا كان الزواج الأحادي نوعًا من البخل المرخص، فماذا يعني الزواج من المستقبل؟ أو الزواج من الماضي؟ ما الذي يحتفظ به كل واحد منا لنفسه في زواجه، وما الذي نتنصل منه في ضحايانا المفضلين؟ بمعنى آخر، ما هو الشيء الذي لا نرغب في التخلي عنه أو الاستسلام و تركه، وما الذي سنضحي به للحفاظ على هذا الشئ؟
التخلي عن الشبح
في كتابه الجديد "عن الاستسلام"، الذي صدر في الولايات المتحدة في شهر مارس 2024 من دار فارار وستراوس وجيرو، يعالج فيليبس هذه الأسئلة في مقاله الذي يحمل عنوان الكتاب. حجته هي أن الاستسلام قد حصل على سمعة سيئة، وأن أوامرنا المجتمعية ضد الاستسلام - ضد التراجع، والخضوع، والتخلي - لم تجعلنا مهتمين بدرجة كافية بجاذبية هذا الاستسلام. إذا كان الاستسلام سيئًا بشكل واضح، فلماذا يجب أن نكون يقظين للغاية بشأن تثبيطه؟
كتب كافكا في إحدى مقولاته المأثورة، التي تم جمعها بعد وقت قصير من تشخيص إصابته بمرض السل في عام 1917: "من نقطة معينة، لن يكون هناك عودة إلى الوراء". "هذه هي النقطة التي يجب الوصول إليها". ويرد عليه فيليبس قائلاً:
إن النقطة التي لا يمكن العودة منها تشير إلى أنه كان هناك بالفعل قدر معين من العودة إلى الوراء، أو رغبة في العودة إلى الوراء. كما لو أن الرغبة في العودة إلى الوراء هي ما يجب علينا دائمًا مواجهته.. كإغراء، أو ببساطة كخيار. وكأننا مدفوعون أيضًا بالرغبة في أفعال غير مكتملة، بملذات التردد وعدم اليقين والتأجيل، و الرغبة في الاستسلام.
لتفسير هذا الشوق الغريب، يستشهد فيليبس بإحدى أفكار فرويد الأكثر إثارة للجدل: دافع الموت. فبين الحربين العالميتين، وبعد وفاة ابنته بسبب الإنفلونزا الإسبانية، افترض فرويد وجود دافع غريزي نحو الموت و ذلك بأسلوبه الخاص. بهذا، أنشأ فرويد صراعًا أساسيًا في كل كائن حي بين غريزة الحياة، التي تدفع نحو المتعة والوحدة والسيطرة، وغريزة الموت، التي تدفع نحو الدمار والانقسام والموت.
ويرغب فيليبس -بطريقته الفريدة- في أن نعيد التفكير في دافع الموت باعتباره "غريزة استسلام". هذه النظرة الجديدة تزيد وتخفف في الوقت نفسه من مخاطر الاستسلام. يرى فيليبس أن أحد الأسباب التي تجعل الاستسلام يحظى بسمعة سيئة هو ارتباطه بالاستسلام النهائي، أي الانتحار. يكتب فيليبس وكأن هناك منحدرًا مفاجئاً من طفل يتوقف عن دروس البيانو أو يتخلى عن لعبته المفضلة إلى الموت بيده. "كما لو أن الرغبة في الاستسلام هي أسوأ العلامات، وكأنها شيء يجب أن نحذر منه بشدة في أنفسنا، كما لو كان فيروسًا أو عدوى".
هذا التفكير قاسي، لكنه غير مبرر. عندما يعاني أحد الأحباء من الاكتئاب، أو أسوأ من ذلك، قد يتوقف عن الاستمتاع بشغفه؛ نراقبه بقلق وهو يتخلى عن الأنشطة التي تمنحه الحياة. وبالمثل، ليس من المستغرب أن يُنمي مجتمع يعتمد على عملنا الإنتاجي أوامر قوية ضد الكسل والتهاون والاستسلام. ولهذا السبب نعيش في خوف دائم من أن نكون من "المستسلمين" و"الطفيليين". لكن فيليبس يؤكد أن الاستسلام ليس دائمًا خطوة نحو الفناء الذاتي، وأن رفض الاستسلام ليس دائمًا أمرًا مُمجدًا أو مُحييًا للحياة. الأبطال المأساويون مثل لير وعطيل وماكبث يعانون بسبب عدم قدرتهم على التراجع والاستسلام؛ إنهم مهووسون بالتقدم للأمام دائماً. فيليبس يقول: «أريد أن أشير إلى أننا قد نكون مرعوبين بلا داع، وأن الربط المروع بين الاستسلام والانتحار يمنعنا من التفكير في الأشكال الأكثر اعتدالًا والأكثر فائدة للاستسلام.»
الاستسلام، مثل طلب المساعدة، يذكرنا بضعفنا، وهو حالنا الدائم وأحد الأمور التي نفضل نسيانها. عندما نفكر في الاستسلام كفشل، أو كنوع من الموت الحي، فإننا نكون مقيدين بأفكارنا المثالية عن ذواتنا: ما نعتقد أننا عليه، وما نحتاجه ولا نحتاجه، وما نستطيع فعله وما لا نستطيع. البديل عن هذا القمع الذاتي هو أن نستلهم من هذه الأفكار المثالية، أن نمنح أنفسنا بعض الحرية والجهل حول من نحن أو من يمكن أن نكون. هذا هو النوع من الجهل الذي لا يسمح لنا تصورنا المميت عن الاستسلام بأن نتأمله. ماذا لو كان الاستسلام مجرد مناورة أخرى، نمطًا من الدفاعات الاجتماعية في "ترسانتنا"؟ يريد فيليبس أن يُرينا أن الاستسلام والتخلي يمكن أن يكون شرطًا ضروريًا لبداية جديدة.
عالق في المنتصف معك
فيليبس، الذي يمضي أربعة أيام في الأسبوع في علاج مرضى التحليل النفسي في غرفة تبعد بضع أقدام عن مكتبه حيث يكتب ليوم واحد في الأسبوع (الأربعاء)، قد نشر حتى الآن سبعة وعشرين كتابًا. تتسم أعماله بالقصر واللمحات والتلاعب بالكلمات، حيث يعكف على التناقضات واللعب اللفظي. تجسد كتاباته دافعًا مقصودًا لزعزعة المعايير والقواعد والنماذج والتوقعات التي تجعلنا نشعر بالعجز عن التفكير أو الرغبة. يقول فيليبس إن التحليل النفسي هو "محادثة تساعد الناس على فهم ما يمنعهم من إجراء المحادثات التي يرغبون فيها". هذا النوع من التبسيط المرح واللاذع، الذي يجمع بين التأمل والسخرية وتوسيع مجال الاستقصاء الفرويدي، هو ما يميز أسلوب فيليبس.
يؤكد فيليبس أن التحليل النفسي لا ينبغي أن يهدف إلى الوصول إلى استنتاجات نهائية، بل إلى خلق بدايات جديدة. ساندور فيرنتزي، المتعاون الملازم لفرويد، اقترح أن "المريض لا يُشفى بواسطة التداعي الحر، بل يُشفى عندما يستطيع التداعي بحرية". بمعنى آخر، ينتهي التحليل فقط عندما يمكن أن يبدأ المريض بداية أخرى بشكل صحيح. إحدى مقالات فرويد الأخيرة والأكثر تعقيدًا كانت بعنوان "تحليل محدود وغير محدود"، وفيليبس يقف بحزم مع مفهوم اللا محدودية - ليس فقط اللانهائية، بل أيضًا الشروط المؤقتة، الفضول، التعددية، الارتجال، واللعب. (وأيضًا: الاستطراد. في كتابه "الآثار الجانبية"، يقول فيليبس: "الاستطراد هو الوحي العلماني"). هذا النهج يعكس اهتماماته السريرية وتأثيرات المحللين البارزين في "المجموعة الوسطى البريطانية" عليه، مثل وينيكوت، تشارلز رايكروفت، ماريون ميلنر، ومسعود خان.
غالبًا ما يُطلق على هؤلاء المحللين اسم "المجموعة الوسطى"، حيث وضعوا أنفسهم بين مجموعتين متنافستين في التحليل النفسي البريطاني: الأولى بقيادة ميلاني كلاين، والأخرى بقيادة آنا فرويد، التي شعرت بمسؤولية الدفاع عن النظرية الكلاسيكية لوالدها ضد التعديلات التي أدخلها أنصار ميلاني كلاين. حيث من بين اختلافات أخرى، اعتقدت كلاين أن الأطفال في سن الثالثة يمكن تحليلهم؛ بدلاً من تفسير أحلامهم وتداعياتهم الحرة وزلات اللسان، يقوم المحلل بتفسير المادة اللاواعية المتجلية في لعب الطفل. على النقيض من ذلك، اعتقدت آنا فرويد أن الأنا لدى الأطفال الصغار لم تكن متطورة بما يكفي لفهم أو معالجة تفسيرات الصراع الغريزي، حتى من خلال اللعب. نجحت المجموعة الوسطى في استغلال رؤى كلاين الجديدة حول تحليل الأطفال وأهمية الطفولة المبكرة ما قبل الأوديبية، دون تبني المراجعات الأكثر راديكالية وغموضًا لنظرية فرويد للعقل. كتب فيليبس أن أعمالهم "تتميز بالاهتمام بالملاحظة والتعاطف، والشك في التجريد والتعصب، والإيمان بقدرة الناس على أن يجعلوا أنفسهم معروفين ومفهومين".
وينيكوت، الذي كتب فيليبس كتابه الأول عنه، يحتل مكانة كبيرة في فكره. في الواقع، يُعَدُّ وينيكوت جزءًا من جذور فيليبس في هذا المجال: وينيكوت، الذي كان أول من أعطاه إجازة التحليلي هو جيمس ستراشي، المترجم الإنجليزي الغزير لفرويد، قام بإجازة مسعود خان للتحليل، الذي قام بدوره بإجازة فيليبس للتحليل. ينسب فيليبس الفضل إلى قراءة كتاب وينيكوت "اللعب والواقع" في إلهامه ليصبح محللاً نفسياً للأطفال. ومن وينيكوت استمد فيليبس الأهمية المركزية للاعتماد والعلاقات. حيث كتب فيليبس في كتابه الأول "في نظر فرويد، الإنسان منقسم ومتحرك بفعل تناقضات رغباته، مما يدفعه إلى تفاعلات محبطة مع الآخرين".
بالنسبة لوينيكوت، لا يمكن للإنسان أن يجد نفسه إلا في علاقة مع الآخرين، وفي الاستقلال الذي يُكتسب من خلال الاعتراف بالاعتماد. بالنسبة لفرويد، كان الإنسان هو الحيوان المتردد؛ أما بالنسبة لوينيكوت، فهو الحيوان المعتمد.
قد يكون من الأدق أن نقول إن الإنسان، بالنسبة لوينيكوت (وبالنسبة لفيليبس)، هو الحيوان الذي يتردد في اعتماده على الآخرين. نحن نحتاج إلى الآخرين، ونشعر بالامتعاض حيال ذلك لأنهم يمكن أن يحبطوا رغباتنا - وهذا ما يفعلونه. اعتمادنا، إذن، هو شيء غالباً ما نود "التخلي عنه"، أو على الأقل التنصل منه، ولكنه أيضًا، بحكم التعريف، الحالة التي لا يمكننا التخلي عنها. والأسوأ من ذلك: إنكار عجزنا يعني التخلي عن إمكانية الرضا لتلك الحالة.
كان وينيكوت -طبيب الأطفال البارع- هو الذي صاغ نظرية "الأم الجيدة بما فيه الكفاية"، وهي تلك الأم "العادية المخلصة" التي تخلق بيئة مغذية للرضيع، تتيح له في البداية تجربة القوة المطلقة - يريد الثدي فيجده حاضرًا - ثم تدريجيًا يختبر غيابه، فيكتشف بشكل مؤلم آخرية الأم، وهشاشتها، وعدم استجابتها الكاملة لكل احتياجاته. بكلمات أخرى، الأم الجيدة بما فيه الكفاية تخفف من وطأة أول خيبة أمل لنا، أول تخلي كبير: الاكتشاف المروع لقصور اعتمادنا على الآخرين، تلك الحقيقة التي يعبر عنها فيليبس في كتابه "عن التخلي" بأن "الأشخاص الذين نحتاجهم ليسوا -ولا يمكن أن يكونوا- تحت سيطرتنا المطلقة".
في نظر وينيكوت، الشخص السليم يحتفظ بذكرى باقية عن الأمان الكامل والقوة المطلقة التي يتيحها ما يسميه ببيئة "الاحتواء" للأم. هذه الذكرى لا تتلاشى تمامًا. يكتب ستيفن ميتشل ومارجريت بلاك، ملخصين أفكار وينيكوت، بأنه "أن تكون شخصًا بشريًا متميزًا بإحساس متجدد بالذات… يتطلب الحفاظ على تجربة القوة الذاتية المطلقة كجوهر خاص وعميق لا يُكشف عنه بالكامل". يبقى هذا الأثر من القوة الذاتية المطلقة -كما يقول وينيكوت- "في قلب كل شخص". يمكننا تحمل العزلة مع أنفسنا - بل والاستمتاع بها - دون أن نكون واعين بشكل مؤلم لعزلتنا البائسة، وهشاشتنا، واحتياجنا الدائم لوجود (الأم) بجانبنا بشكل ما.
الوصول إلى ذلك المخزون الداخلي السري وغير الناطق، الذي سماه وينيكوت "الذات الحقيقية"، يعتمد على جدلية بين القوة المطلقة والموضوعية؛ بين الذات ككيان ذو سيادة، والذات كعرضة للقوى الخارجية. إن تزامن هاتين الحالتين، ومرورنا من واحدة إلى الأخرى، يتاح عبر ما يسميه وينيكوت "الأشياء والظواهر الانتقالية". فعلى سبيل المثال، الطفل يرىدميته ليس كاختراع ذاتي (كما يرى الثدي في البداية) ولا كشيء "مكتشف ومنفصل" (كما يجب أن يرى الثدي بعد ألم)، بل كامتداد خاص ومريح لذاته: أى كنصف طريق بين الأم كما تُخلق ذاتيًا بواسطة رغبات الطفل وبين الواقع الموضوعي، حيث تكون الأم شخصًا متجسدًا بذاتها و ليس من رغبات الطفل. بالنسبة لوينيكوت، فمن خلال تلك التجربة الانتقالية - أى رؤية الأشياء الخارجية بذاتها كمعنى مرضٍ - نتعلم الاستمتاع والتأثر بالرمزية نفسها؛ أي بالفن.
وينيكوت ألقى باللوم على بيئة الاحتواء الأمومية غير الكافية في كثير من الاضطرابات العصبية لدى البالغين. كان يرى أن العديد من مرضاه تعرضوا في وقت مبكر جدًا لكشف عدم استقرار أو مشروطية رعاية مقدمي الرعاية لهم، مما دفعهم لتبني رأى متوافق حول توجيه مفرط نحو احتياجات الآخرين. كان يعتقد أن هؤلاء المرضى طوروا اضطرابات الذات الزائفة، وهي قناع توافقي متقدم يحمي الذات الحقيقية من بيئة يُفترض أنها غير آمنة ومُتطلبة للغاية. وهكذا، لم يكن هؤلاء المرضى قادرين على تجربة أنفسهم كأشخاص حقيقيين تمامًا، أو أحياء، أو كما قد نقول، بروح حية وهو ما قد لا يقوله معظم الفرويديّين.
لن أكون أول من يلاحظ أن هناك شيئًا إنجليزيًا جدًا في هذا الأمر: استبدال التردد بشأن الجنس بالتصالح مع الاعتماد كالتجربة التى صاغت طفولة الإنسان الأولى. كما كتب بن باركر في مجلة n+1: "لن يكون من الخطأ رؤية في 'الوسطيّة' لجماعة الوسط شيئًا من الروح الإنجليزية". إذا ضيّقت العينين، يبدو هذا الميل التكيفي أشبه بالليبرالية الإنجليزية، حيث يتم التوفيق بين الفرد والجماعة دون المساس بسيادة الذات؛ كانت هذه الفكرة -كما يكتب باركر- "غريبة تمامًا على القامات العلمية النازحة من فيينا" في لندن (مثل كلاين وآنا فرويد).
لا شك أن أعمال وينيكوت وزملائه جاءت في لحظة مناسبة لبطرياركية إنجليزية محاصرة. "تمامًا كما كانت النساء يتم تشجيعهن على البقاء في المنزل مرة أخرى بعد عملهن الحيوي خلال الحرب العالمية الأولى، بدأت تنتشر نظريات قسرية ومقنعة حول أهمية الأمومة المستمرة للأطفال، ومخاطر الانفصال المحتملة، التي يمكن استخدامها بسهولة لإقناعهن بالبقاء هناك"، يلاحظ فيليبس في كتابه عن وينيكوت. تضرب فكرة الأمومة الجيدة بما فيه الكفاية نغمة سطحية من التساهل - حيث أن الجيدة بما فيه الكفاية ليست مثالية ولا حتى عظيمة - ولكن في الواقع، فإن بيئة الاحتواء تفرض مطالب هائلة على مقدمي الرعاية للرضع. فكم من الوقت يعتبر طويلاً جدًا للاستجابة لبكاء الرضيع؟ كم من التأخيرات تعتبر كثيرة؟ بغض النظر عن الإجابة، فالأم هي المسؤولة. يكتب فيليبس،"في التحليل النفسي البريطاني بعد الحرب ... لم يكن هناك الكثير من العودة إلى فرويد... بقدر ما كانت العودة إلى الأم". والأم كانت في محاكمة.
ومع ذلك، فإن نظريات وينيكوت وضعت أيضًا مطالب غير عادية وجديدة على المحلل النفسي، الذي كان عليه توفير ما لم توفره الأم في الوضع التحليلي. بالنسبة لوينيكوت، كما يكتب فيليبس، كان العلاج النفسي "في المقام الأول" حول "توفير بيئة ملائمة"، وهي بيئة يمكن فيها للمريض، الذي يعاني من الزيف والصلابة وعدم القدرة على الاستمتاع بالحياة بشكل تلقائي، أن يشعر بالاحتواء والأمان بما يكفي ليباغت نفسه، وليلعب. بمعنى آخر، يخلق المحلل بيئة يمكن فيها للمريض أن يخاطر بالتخلي عن الدرع الواقي والدعائم التي بناها حول ذاته الحقيقية. إذا نجحت هذه العملية، فإن هذا التنازل - الذي هو أيضًا نوع من الاستسلام والتخلي - قد يسمح للمريض بتجربة ما سماه المحلل المجري-البريطاني مايكل بالينت بـ "بداية جديدة".
كم هو قاسي أن تكون لطيفا
يبدو كل هذا كلام جميل و ساحر -وهو كذلك بالفعل- إذ لا يخجل وينيكوت من استخدام تلك الكلمة. ولكن، رغم سحره الطوباوي، فإنه يعكس حقيقة عميقة، وهي أننا سنكون جميعًا أفضل حالًا إذا تعلمنا تقدير عجزنا بدلاً من التنصل منه بعنف. بهذه الطريقة، يمكننا أن نتعلم اللعب مرة أخرى، ومفاجأة أنفسنا، والاستمتاع بما لا نعرفه عن أنفسنا وعن أحبائنا. إذا كان هذا هو جوهر التحليل النفسي، فمن الذي لن يكون على استعداد لتجربته؟
ولكن، عندما توليت هذه المهمة، شعرت بجوع لمدى صلابة في هذا العالم المثالي. لقد أزعجتني رباطة جأش فيليبس، ورباطة جأشه اللطيفة والمرحة، كما لو كان يخفي شيئًا غير طبيعي. كنت مصممًا، مثل المحقق المهووس أو الصحفي الحريص، على كشف الحقيقة. سألت نفسي: أين تكمن السادية؟ عندما تحدثت إلى صديقة عن هذا الدافع الدنيء، قالت لي، وربما بغضب بعض الشيء، "أنت فقط تريد الأمر أكثر قسوة". وهذا صحيح. التحليل النفسي بالنسبة لي هو وسيلة للتفكير في المشكلات المستحيلة، وليس مجرد وسيلة للتخلص من العوائق أو الشعور بالتحسن. على الرغم من كل تسامحه مع اللاعقلانية، يبدو فيليبس دائمًا عقلانيًا للغاية، ومنضبطًا بشكل يكاد يكون مثاليًا، وكأنه يجسد النموذج الذي يجب أن يطمح إليه مرضاه وقراؤه. بعبارة أخرى، يبدو عاقلاً. ولا يرغب المرء في أن يظهر المعالج الكثير من الغرور أو التدمير الذاتي أو الوهم، ولكن بالنسبة للكاتب، قد يكون من الصعب قبول الإفراط في العقل.
لكن في كثير من الأحيان، في نثر فيليبس، أشعر بشيء يخرخر بعيدًا عن الأنظار، شيئًا قد يكون كبيرًا وغير ودي. وأتساءل، ما إذا كان فيليبس لم يقلل من أهمية الاستسلام - ليس بالضرورة حتى الموت، ولكن على الأقل حتى الخطر. تتطلب تقنيات وينيكوت السريرية يقظة خارقة (أي "أمومية") لاحتياجات المريض الناشئة تلقائيا ومرونة عميقة بنفس القدر: الرغبة في جعل نفسه متاحًا ليستخدمه المريض - كما يستخدم الرضيع الثدي، أحيانًا بعنف - وللنجاة من الهجوم.
كان وينيكوت، بطبعه الهادئ وبساطته الشبيهة بحكمة الزن، ملائمًا تمامًا لهذا المجال من التحليل النفسي. وكان فيليبس يسير على خطاه بنفس الروح. قال فيليبس: "مشروعي هو فهم معنى التعامل بلطف مع المريض من وجهة نظر المريض". هذا شعور نبيل. ولكن، إذا كانت بعض التقاليد التحليلية الأخرى تُتهم بالقسوة في سبيل اللطف، فإن نهج وينيكوت قد يكون في أيدي غير ماهرة وسيلة لاستغلال اللطف بطرق مؤذية. الشعور بالأمان والدفء يمكن أن يكون مريحًا، لكنه قد يتحول إلى كابوس إذا تعرض الشخص لصدمات بعد ذلك بعد أن تم احتضانه في عناق أمومي.
هذا يظهر بوضوح في حياة وعمل مسعود خان، محلل التدريب الخاص بفيليبس. كان خان أحد ألمع تلاميذ وينيكوت وزملائه، أثرى ذلك العبقري الباكستاني البريطاني التفكير التحليلي. لكن في نهاية حياته، أصبح مدمنًا على الكحول ومجنونًا إلى حد ما، وطُرد من جمعية التحليل النفسي البريطانية بسبب سلوكه غير اللائق (ليس فقط الجنسي) مع مرضاه، ولإيواء مرضاه في منزله بشكل غير مناسب. في كتابه الأخير، "الانتظار الطويل"، أظهر خان معاداة للسامية العميقة الجذور وبجنون العظمة. وبفضل الشهادة التي قدمها الخبير الاقتصادي وين جودلي - أحد مرضى خان-، نعلم أن وينيكوت كان على علم بسلوك خان الشاذ والسادي قبل عقود من انكشافه.
لا أشعر بأنني مؤهل لتحليل كل الآثار الغنية المترتبة على مسار خان في تاريخ التحليل النفسي البريطاني، أو في تاريخ الإمبراطورية البريطانية. لكن فيليبس ألمح إلى بعضها في مقالة مخصصة لذكرى معلمه في عام 1991، عندما كانت سمعة خان مهددة ولكن لم تدمر بعد. قال فيليبس: "في شفقها، أنتجت الإمبراطورية البريطانية نظرية الأمومة الجيدة بما فيه الكفاية باعتبارها النقد المذنب لما كان دائمًا إمبريالية سيئة بما فيه الكفاية. في جميع أعمال خان، هناك نقد مستمر وعاطفي للمحلل المفرط في التفسير باعتباره مخربًا للأمهات، باعتباره الشخص الذي يستولي على المريض أو يستعمره، ويطالب بـ"الحيازة الحصرية".
من الغريب حقًا أن نرى في مقال جودلي المروع أن خان قد رغب في تحطيم مريضه وامتلاكه، بل واستعماره. ("أنتم تظنوا أنكم تحكمون العالم!"، هكذا هاجم خان جودلي، الذي كان جده بالفعل رئيس مكتب الهند الاستعماري لخمسة وثلاثين عامًا). لا يحتاج الأمر إلى جرأة تحليلية عظيمة لكشف تحويلات خان المضادة هنا، ولا الانتقام الطائش الذي بدا وكأنها تسمح به؛ إنه لأمر مخزٍ حقًا أن خان لم يكن يبدو مكترثًا بالتأثير الضار لذلك على مريضه المنكسر والمحتاج والمهزوم. بدلاً من خلق بيئة دافئة يمكن لجودلي أن يتصالح فيها مع تكيفه المفرط مع احتياجاته للأمومة بدلاً من إعطائها، خلق خان وضعًا رجعيًا وغير مربوط حيث اضطر جودلي إلى أداء نفس الدور القديم الذي كان يعكس طفولته. شعر جودلي بأنه مضطر لإنقاذ خان وحمايته والتسامح معه، ليصبح أمًا أخرى لأمه.
إن التخلي عن الذات الزائفة هو اقتراح محفوف بالمخاطر. في حالات مثل حالة جودلي، يستلزم ذلك "الانحدار إلى الاعتماد" في السياق التحليلي، وإعادة تعريف المريض باحتياجاته الطفولية وهشاشته، حيث يصبح الإمساك المطلق والموثوق من قبل المحلل أمرًا لا غنى عنه. وكما كتب وينيكوت ذات مرة: "كل مرحلة يمكن أن نطلق عليها تقدماً هى فى الحقيقة تجعل المريض على اتصال وثيق بالألم". بمعنى ما، فإن المحلل يعيد تعليم المريض كيفية المعاناة، وهو درس ليس كل شخص مستعدًا لتحمله، ولا كل محلل مجهزًا لتطبيقه.
كتب خان بإجلال عن معلمه: "كان وينيكوت يستمع بكل جسده، وكانت لديه عيون حادة غير متطفلة تحدق في الشخص بمزيج من عدم التصديق والقبول المطلق. كانت عفوية طفولية تشوب حركاته. ومع ذلك، يمكنه أن يكون ساكنًا جدًا، ومنغلقًا جدًا وساكنًا". وصف جميل لتحمل تحليلي شبه مثالي. ولكن في مزاجه الأقل إحسانًا، والذي كان لديه الكثير منه، كتب خان أيضًا عن تعرضه "للصدمة" بسبب "التواضع المسيحي المازوشي" لوينيكوت. كان وينيكوت يسترضي خان. لقد كان، كما كتب خان، "شريكي الأكثر سخاءً ولكنه بغيض في الاستغلال". وبعبارة أخرى، شعر خان بالاختناق بسبب ضعف وينيكوت. وحتى المحلل الذي يمتنع عن التأويل يستطيع أن يهيمن ويخرب (وكذلك أي مستعمر). كان وينيكوت جيدًا في السماح لمريضه بأن يستخدمه، وأن يكرهه ويدمره أثناء بقائه على قيد الحياة. ولم يكن جيدًا في كراهية مريضه بدوره، وهو ما يعتقد خان أنه ضروري – على جرعات. وكتب: "في كثير من الأحيان يكون المحلل هو الذي يضطر إلى جرعة العدوان في سلوكه قبل أن يتمكن المريض من الوصول إلى القدرة على معالجة سلوكه". لقد كانت حماقة خان أنه لم يحصل دائمًا على الجرعة الصحيحة، خاصة مع تدهور صحته.
يميل فيليبس إلى التحدث بإعجاب، وإن كان بطريقة اعتذارية قليلاً، عن معلمه عندما يُسأل. قال لأحد المحاورين في عام 2019: "لقد أحببته، وكان رائعًا بالنسبة لي و قدم الكثير من أجلي. لا أقصد أنني أعتقد أن كل ما كتب عنه ليس صحيحًا، لأنني أشك في أن بعضًا منه صحيح، لكن الرجل الذي أعرفه كان ودودًا للغاية، وروح الدعابة تتملكه للغاية، ومستمعًا جيدًا بشكل مدهش." وهذا ليس مفاجئًا تمامًا؛ وجدت كاتبة سيرة خان، ليندا هوبكنز، أن العديد من مرضاه يتذكرونه ويتذكرون تدخلاته بامتنان شديد. ومع ذلك، تصبح مقابلة فيليبس أكثر كشفًا عندما يُسأل عن ولع خان بالأمير ميشكين لدوستويفسكي، الذي يُنظر خطأ إلى تقواه المسيحية وسذاجته على أنها حماقة. (في الواقع، كان الأمر أكثر من مجرد ولع: كانت هناك أوقات أثناء ذهان خان لم يتمكن فيها من التمييز بينه وبين ميشكين الخيالي). ويوضح فيليبس أن خان كان منجذبًا في ميشكين إلى "شيء أقرب إلى الأحمق المقدس. شيء يتعلق بفكرة نوع من الحكمة التي تأتي من نوع معين من السذاجة، ولكنها سذاجة شيطانية - السذاجة ليست فقط كشيء لطيف، ولكن كشيء ماكر وذكي أيضًا".
سذاجة حكيمة وغير لطيفة. خجل ماكر ينجح في إثارة نوع من الخطر اللذيذ وإزعاجه والتلميح إليه: هذا ما فاتني في عمل فيليبس - كنت مشتتًا بسبب قدرته على التوازن الشديد البغيض لي. عندما تبحث عنه، تجد صوت خان في كل مكان في فيليبس، يتحدث من خلال الفجوات ومن حول زوايا كتابته. وفي ذروة قوته، تمكن من الجمع بين دفء وينيكوت المحبب وجديته مع استفزاز خان الشرير وعصبيته، مع الحفاظ على توازن كل منهما: يهمس مثل ملاك محلل في أذن وشيطان في الأخرى.
الصمود
خان، الذي قُتل ببطء بسبب إدمانه للكحول وإدمان التبغ، مثل فرويد، كان لديه أفكاره الخاصة حول الاستسلام. كتب إلى صديقه فيكتور سميرنوف: "أصعب شيء يمكن تعلمه هو أنه يجب على المرء أن يستسلم باختياره، حتى يكون للتجارب والعلاقات الجديدة الأخرى مجال للنمو". "إن طبيعة التغيير تتحدد بما يقرر المرء التخلي عنه، وليس بما يختار إضافته من جديد."
يبدو لي أن مفهوم "الاستراحة" لدى خان، الذي تم توضيحه في ورقة بحثية عام 1977، يشكل نوعًا من التدريب الواعد على الاستسلام الذي يسعى فيليبس إلى استعادة قيمته. بالنسبة لخان، "الاستراحة" هي انسحاب ترميمي من الحياة، موت صغير يبعث على النشاط، وقد أوصى خان بها للمرضى الذين يحتاجون إلى إعادة الوصول إلى "تلك التجربة الداخلية العميقة التي تميز الإبداع النفسي الحقيقي عن الهوس بالإنتاجية". في الوقت الحالي، قد نرى "الاستراحة" لدى خان كإعادة وصف مثمرة لما يُطلق عليه عادةً، ويُضفى عليه الطابع المرضي، على أنه الإرهاق: إذ نخاف من متطلبات الإنتاجية المحمومة، نتراجع من الحياة إلى عزلة هادئة، على أمل إعادة اكتشاف احتياطاتنا الداخلية من العفوية واللعب الموجه ذاتيًا.
يقول خان إن هذه الحالة الاستراحية هي تجربة "خاصة وشخصية بطبيعتها"، ولكن المفارقة أن ما يمنعها من أن تصبح "مرضية أو كئيبة بشدة" هو وجود شخص آخر. فالاستراحة "تحتاج إلى جو من الصحبة لكي تُحتضن وتستمر. وجود شخص - صديق، زوجة، جار - بجانبنا بشكل غير لافت، يضمن أن العملية النفسية لا تخرج عن نطاق السيطرة". الاستراحة هي شكل من أشكال الاستسلام، ولكنها أيضًا تسليم أنفسنا للآخرين، هروب من الهوس بالالتزام إلى الاعتماد المتبادل السلمي. ليس الأمر أن البؤس يحب الرفقة، بل أن العزلة تتطلب تلك الرفقة.
إن فكرة "أن تكون وحيدًا .. معًا" “alone, together” أصبحت اليوم مجالاً لتدريب العلاقات على تيك توك. لكن إذا فكرنا فيها بمصطلحات وينيكوت وخان - كعزلة تصبح ممكنة بفضل الاحتضان غير المزعج - فإن لها جمالاً حقيقياً. (أتذكر كلمات الأغنية من Smogاسمها Held: "أنا أبتعد... / من متناول يدي / وكل الوقت يتم احتضاني.") إنه يغير من طبيعة الاستسلام، وربما من الإرهاق أيضًا. ما نخافه بشأن الاستسلام، لأنفسنا وللآخرين، هو انفصال أكبر: هروب من التشابك إلى تأملاتنا الكريهة، خطوة نحو العدم. ولكن ماذا لو لم نضطر إلى الاستسلام بمفردنا؟ الفكرة مريحة، وإن لم تكن تمامًا. الشيء الرهيب والرائع في العلاقة الزوجية، كما لاحظت جيليان روز، هو أنه لا توجد ديمقراطية فيها: نحن تحت رحمة بعضنا البعض. التحليل هو المكان الذي تذهب إليه لتتخيل فيه المضاجعة، الزواج، والقتل؛ أما في العلاقة الزوجية، فأنت تفعل ذلك فعليًا.
يختتم فيليبس قائلاً: "نحن بحاجة إلى تذكر أن الاستسلام هو شكل من أشكال العطاء. وعلينا أن نتساءل عما تم التخلي عنه، ولمن، ولأي غرض." قد يكون المهم هو معرفة، أو على الأقل الأمل، أن هدية الاستسلام ستصل إلى وجهتها. كما قال وينيكوت: "من السعادة أن تكون مختفيًا، ولكن الكارثة أن لا يتم العثور عليك."
مترجم من thebaffler